هشامُ بن قتادةَ، عن أبيه؛ بمعنى حديثِ وَاثِلةَ (١)؛ وهو مُسلسَلٌ بالمَجَاهِيلِ.
ولكنَّه لا يثبُتُ دليلٌ صريحٌ في أمرِ الكافرِ بذلك، وقد ذهَبَ مالكٌ وأحمدُ: إلى إيجابِ اغتسالِه، واستَحَبَّهُ الشافعيُّ ولم يُوجِبْهُ، وروى ابنُ وهبٍ عن مالكٍ: أنه لا يَعرِفُ الغُسْلَ.
ومَن تأمَّلَ الصحابةَ وحالَهم، وجَدَ أنه لم يُولَدْ في الإسلامِ ويَبلُغْ قبلَ وفاةِ النبيِّ ﷺ إلَّا نفَرٌ قليلٌ، ومَن كان على جاهليَّةٍ ودخَلَ الإسلامَ، لو كان الاغتسالُ واجبًا، لكان عليهم جميعًا، أو على عامَّتِهم، وَينبَغي مِثْلُ هذا أنْ بَثبُتَ به النصُّ ويَشَتَهِرَ، والوفودُ الذين جاؤوا لِيُسْلِمُوا ويَذْهَبُوا لم يُؤمَروا بشيءٍ مِن ذلك، ولو أُمِرُوا، فهو أبْقى في أذهانِهم وأَولى بالذِّكْرِ؛ لأنَّ الذِّهْنَ يَحفَظُ اْوَّلَ ما يُؤمَرُ به الإنسانُ عندَ تَحوُّلِه.
ولا أعلَمُ فيه شيئًا يَصِحُّ عن أحدٍ مِن الخلفاءِ الراشِدينَ وفقهاءِ الصحابةِ؛ أنه أمَرَ داخِلَ الإسلامِ أن يَغتسِلَ.
قولُه تعالى ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾:
حُكْمُ دخولِ الكافِرِ للمساجِدِ:
ويتَّفِقُ العلماءُ على حُرْمةِ الإقامةِ للكافرِ في المسجدِ الحرامِ؛ فلا يَتَّخِذُهُ سُكْنَى ومُقَامًا كسائرِ الأرضِ؛ لظاهرِ الآية، وإنَّما خِلافُهم في مرورِ الكافرِ وعُبُورِه، وأكثرُ السَّلَفِ والفقهاءِ على المنع، وقد جوَّز أبو حنيفةَ دخولَ الذِّمِّيِّ.
وللمسجِدِ الحرامِ تعظيمٌ وخصيصةٌ ليسَتْ لغيرِهِ مِن المساجدِ في الأرضِ؛ وذلك لأنَّ فيه مَناسِكَ وعبادةً لا تصِحُّ في غيرِه، ولأنَّه معظَّمٌ عندَ كثيرٍ مِن أهلِ الكتابِ والمشرِكينَ بخلافِ مسجدِ المدينة، ولهم فيه
(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الكير" (١٩/ ١٤) (٢٠).