للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولوجَ والخروجَ في البيوتِ والمساكنِ ولو كانتْ غيرَ مسكونةٍ ينبغي أن يكونَ لسببٍ وحاجةٍ، لا عن فضولٍ.

* * *

* قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠].

أمَرَ اللَّهُ المؤمِنينَ بغضِّ البصرِ، قبلَ أمرِهم بحِفظِ الفروجِ؛ لبيانِ أنَّ إطلاقَ البصرِ جالِبٌ للفاحشةِ وبابٌ لها، وحبلٌ من حبالِ الشيطانِ الموصِّلةِ إليها، فقدَّمَ الوسيلةَ على الغايةِ، وجعَلَ اللَّهُ ذلك ﴿أَزْكَى لَهُمْ﴾؛ يعني: أنَّه أطهَرُ للنفوسِ وأطيَبُ لها.

الحِكمةُ مِن تقديمِ أمرِ الرِّجالِ على أمرِ النِّساءِ بغضِّ البصرِ:

وإنَّما قدَّمَ اللَّهُ أمرَ الرِّجالِ بغضِّ البصرِ قبلَ أمرِ النِّساءِ بذلك؛ لأمورٍ:

منها: أنَّ الرِّجالَ أكثَرُ عُرْضةً لرؤيةِ العَوْراتِ؛ لكثرةِ خروجِهم وكَسْبِهم وتعرُّضِهم للتعامُلِ مع الناسِ، فالأصلُ في الرجالِ: الخروجُ والكسبُ، والأصلُ في النساءِ: القَرَارُ والكفايةُ؛ ولهذا نَهَى النبيُّ الرجالَ عن الجلوسِ في الطُّرُقاتِ؛ حتى لا يتعرَّضوا لرؤيةِ العَوْراتِ، فلما أبْدَوْا حاجتَهم بها، أمَرَهم بغضِّ البصرِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ قال: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّتُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ)، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) (١).


(١) أخرجه البخاري (٢٤٦٥)، ومسلم (٢١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>