للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا عدَمُ الاعتدادِ بها في هذا الموضعِ، فظاهرٌ؛ وذلك إذا قَوِيَتِ المصلحةُ، وكانتِ المفسدةُ دونَها في الأثرِ؛ فتكونُ المصلحةُ راجحة.

وكلَّما قوِيَ العالِمُ بالشريعةِ والسننِ الكونيةِ إدراكًا وفهمًا، كان أدرَكَ للمصالحِ والمفاسدِ، وأعلَمَ بأشدِّها تأثيرًا، وقد يغيبُ هذا عن العامَّةِ فيَستشكِلونَه؛ وكما قيل: "ليس العاقلُ مَن عرَفَ الخيرَ من الشرِّ؛ إنما العاقلُ مَن عرَفَ خيرَ الخيرَيْن، وشرَّ الشَّرَّيْنِ".

وقد تكونُ المصلحةُ بعيدةَ الوقوعِ وهي قويةُ الأثرِ، وبُعْدُها أضعَفَها في عينِ المتأمِّلِ، والمفسدةُ ضعيفةَ الأثرِ قريبةَ الوقوعِ، وقُرْبُها قوَّاها في عينِ المتأمِّلِ والناظرِ، وطبيعةُ العقولِ أنَّ حدوثَ الأشياءِ بينَ يَدَيْها يقوِّيها عندَها على غيرِها الغائبِ أو الذي لم يحدُثْ، وللهِ حِكَمٌ دقيقةٌ في خلْقِهِ وحُكْمِهِ تغيبُ عن مخلوقَاتِهِ يدبِّرُ فيها الكونَ ويُدِيرُ فيها الخلائقَ؛ يُدرِكُ العقلاءُ بعضًا، ويغيبُ عنهم أكثَرُهَا.

واللهُ إنَّما أخبَرَ الملائكةَ بخبرِ خليفةِ الأرضِ؛ لأنَّهم هم مَن يلي شأنَ بَني آدمَ؛ مِن النَّفْخِ، والكتابةِ، والرقابةِ، وشأنِ الموتِ، والمطرِ، والسحابِ، وغيرِ ذلك.

فضلُ التسبيح:

وقولُ الملائكةِ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}: فيه فضلُ التسبيحِ والتعظيم للهِ، وتسبيحُ الملائكةِ هو كما جاء في "صحيحِ مسلمٍ"، عن أبي ذرٍّ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أيُّ الكلامِ أفضلُ؟ قال: (مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) (١).

وروى البيهقيُّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ قُرْطٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ أُسْرِيَ به، سَمِعَ تسبيحًا في السمواتِ العُلا: (سُبْحَانَ العَلِيِّ الأَعْلَى، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) (٢).


(١) أخرجه مسلم (٢٧٣١) (٤/ ٢٠٩٣).
(٢) أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (٢٤) (١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>