للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى لغوِ الأيمانِ:

واللَّغْوُ هنا: هو ما يَجْرِي على اللِّسَانِ مِن غيرِ إرادةٍ لمعناهُ، ولا قصدٍ لظاهرِهِ، فيُطلَقُ بلا رَوِيَّةٍ ولا فِكْرٍ، ويدخُلُ في اللَّغْوِ: الإشارةُ والعبارةُ، ومِن اللَّغْوِ: الكتابةُ لِما تَخُطُّهُ اليدُ ولا تريدُ معناهُ، إلَّا أنَّ اللسانَ أقرَب إلى ورودِ اللَّغْوِ عليه مِن القلَمِ؛ لأنَّ اللسانَ يَجري عليه الكلامُ أسرعَ مِن القَلَمِ، والقلَمَ يصاحِبُهُ غالبًا التأمُّلُ وحضورُ الذِّهْنِ.

فاللسانُ يَسبِقُ القصدَ لسرعتِه، فما خرَجَ منه سابقًا للقصدِ، فهو لَغْوٌ، وتتأكَّدُ اليمينُ إذا صاحَبَ القصدُ القولَ، أو سبَقَ خروجَ القولِ.

ومِن اللَّغْوِ الذي يَسبِقُ به اللسانُ القصدَ، قولُ: (لا، واللهِ) و (بَلَى واللهِ)، و (أفعَلُ واللهِ)، في حديثِ الناسِ، ولو كانت صورتُهُ الظاهرةُ صورةَ يمينٍ؛ لاعتبارِ القصدِ في الشريعةِ؛ ولذا قال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يَعني: ما انعقَدَتْ قلوبُكُمْ على قَصْدِه، كما في قولِهِ تعالى في المائدةِ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [٨٩].

فسَّر اللَّغْوَ بذلك أكثرُ المفسِّرينَ مِن السلفِ؛ روى عُرْوةُ، عن عائشةَ: "اللَّغْوُ: لا واللهِ، وبَلَى واللهِ"؛ أخرَجَهُ البخاريُّ (١).

وروى ابنُ جريرٍ نحوَهُ عنِ ابنِ عبَّاسٍ (٢) وابنِ عُمرَ، وعن الشَّعْبيِّ وأبي قِلَابةَ (٣) ومُجاهِدٍ والنَّخَعيِّ والزُّهْريِّ (٤)؛ وبهذا قال الشافعيُّ.

وصحَّ عنِ النَّخَعيِّ؛ أنَّه جعَلَ اليمينَ لأجلِ الإكرامِ بالإطعامِ والضِّيَافةِ مِن اللَّغْوِ؛ كقولِهِ: "واللهِ لَيَأْكُلَنَّ، واللهِ لَيَشْرَبَنَّ" (٥).


(١) أخرجه البخاري (٤٦١٣) (٦/ ٥٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ١٤).
(٣) "تفسير الطبري" (٤/ ١٧).
(٤) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٠٨).
(٥) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>