للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدِهما؛ كما ثبَتَ ذلك عن النبيِّ (١).

وذلك لأنَّ التركَ لا يُعَدُّ تعطيلًا للحكمِ الثابتِ؛ وإنما هو تركٌ في نازلةٍ معيَّنةٍ لمصلحةٍ راجحةٍ؛ فتُلْحَقُ بحالِ النبيِّ قبلَ هِجْرتِه؛ فاللهُ أخَّرَ الحدودَ على أمَّتِهِ لمصلحةِ الحالِ، ثمَّ أنزَلَها وأثبَتَها، وليس لأحدٍ أن يرفَعَ الحُكمَ العامَّ بحالٍ.

وحينئذٍ: فيكون تأخيرُ الحُكْمِ النازلِ على معيَّنٍ إلى حالِ القدومِ إلى بلدِ المسلِمِينَ في حالِ عدمِ صلاحِ المقترِفِ للحدِّ: أصلَحَ وأنسَبَ، وما حصَلَ إنَّما هو تأجيلٌ، لا إسقاطٌ وإلغاءٌ.

ولو تأخَّرتْ إقامةُ الحدِّ زمنًا طويلًا وبَقِيَ الناسُ في الحربِ وصلَحَ الذي أصابَ حَدًّا، فلا يُناسِبُ إقامةُ حدِّ الخمرِ عليه بعدَ سِنِينَ صلَحَ فيها واستقامَ أمرُهُ، وربَّما كان قُدْوةً للناسِ؛ وذلك لأنَّ المصلحةَ مِن إقامةِ الحدِّ تحقَّقتْ مع طولِ الزمنِ؛ وهذا في حالِ مَن صلَحَ رَغْبةً وامتدَّ صلاحُهُ حتى شَهِدَ الناسُ له بذلك، لا مَن صلَحَ خوفًا مِن الحدِّ فقامَتِ الرِّيبةُ فيه.

إقامةُ الحدودِ في دارِ الحربِ:

وإقامةُ الحدِّ في دارِ الحربِ ممَّا اختلَفَ فيه أهلُ العلمِ على قولَيْنِ:

القولُ الأولُ: أنَّ الحدودَ لا تُقامُ في دارِ الحربِ؛ وقال بهذا عمرُ بنُ الخطَّاب، وصحَّ عن حُذَيْفةَ بنِ اليَمَانِ، وأبي مسعودٍ، وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ؛ وهو قولُ الأوزاعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ، وأحمدَ؛ وإسحاقَ؛ على خلافٍ عندَهم في إقامتِهِ بعدَ الرجوعِ إلى بلدِ الإسلامِ (٢).

وقال أبو حنيفةَ: لا حدَّ ولا قِصَاصَ في دارِ الحربِ، ولا إذا


(١) أخرجه مسلم (١٦٩٥) (٣/ ١٣٢٣)، وأبو داود (٤٤٤٠) (٤/ ١٥١)، والترمذي (١٤٣٥) (٤/ ٤٢).
(٢) ينظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>