للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأسبَقُ الناسِ للعفوِ: أفضلُهم نَفْسًا، وأحبُّهم عندَ اللهِ، وأقربُهم إليه.

ثمَّ ذكَرَ اللهُ ما يقرِّبُ للعفوِ ويُعِينُ عليه؛ فقال: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ فحَثَّ على الفضلِ والتسابُقِ إليه، والفضلُ: الإحسانُ، وهو فِعْلُ ما ليس بواجبٍ، والفضلُ مِن الزوجِ: تكميلُ المهرِ، ومِن الزوجةِ: ترْكُ شَطْرِهِ الذي لها؛ قاله مجاهِدٌ (١).

ورُوِيَ أنَّ جُبَيْرَ بنَ مُطعِمٍ دخَلَ على سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، فعرَضَ عليه بِنْتًا له، فتزوَّجَها، فلمَّا خرَجَ، طلَّقَها وبعَثَ إليها بالصداقِ كاملًا، فقيل له: لِمَ تزوَّجْتَها؟ فقال: عرَضَها عليَّ، فكَرِهْتُ ردَّه، قيل: فلِمَ بَعَثْتَ بالصداقِ كاملًا؟ قال: فأينَ الفضلُ؟ ! (٢)

حُسْنُ العهدِ:

وتذكُّرُ الفضلِ عملًا به لا يفعلُهُ إلَّا ذو النَّفْسِ الزكيَّةِ، وقد أمَرَ اللهُ بتذكُّرِ الفضلِ، وليس بين الزَّوجَيْنِ سابِقُ عهدٍ وأُلْفةٍ؛ فقد طَلَّقَها قبلَ أنْ يَمَسَّها ولم يَستمتِعْ بها؛ فكيف بالحثِّ على استحضارِ الفضلِ بين زوجَيْنِ طالَ اجتماعُهما وقُرْبُهما بعضِهما مِن بعضٍ؟ ! وعَظَّمَ الفضلَ السابقَ بينَهم؛ فإنَّ للخصومةِ اللاحقةِ والفراقِ بينَ المتحابَّيْنِ أثرًا في النفسِ يُنسي سابقَ العهدِ والفضلَ السابقَ؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾؛ لأنَّ ألَمَ الخلافِ يُنسي ذلك الفضلَ، فأمَرَ اللهُ باستجلابِه واستحضارِه؛ حتَّى تتوازَنَ النفسُ فتَعدِلَ وتُنصِفَ.

وكثيرًا ما يقَعُ خلافٌ يسيرٌ، فيُنسِي فضلَ سِنينَ وشهورٍ لو جاء الفضلُ بعدَ الخلافِ، لَطَغَى عليه ومَحاهُ، ولكنَّ النفوسَ تؤاخِذُ بالحال


(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٣٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٤٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>