للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو كان صغيرًا؛ لِقُوَّةِ حَرَارَتِه، وتَنسى السابِقَ ولو كان كبيرًا.

وروى عبدُ اللهِ بنُ عُبَيْدٍ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ؛ يَعَضُّ المُؤْمِنُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَيَنْسَى الفَضْلَ) (١).

وقولُهُ تَعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؛ أي: يَعلَمُ السابقَ واللاحقَ، ويُؤاخِذُكُمْ به؛ لِاطِّلاعِهِ عليه، فلا يَظلِمُ أحدًا لِلَاحِقَتِه، ويَنسى كما تَنْسَوْنَ سابقتَهُ.

واللهُ يَدْعو الزوجَيْنِ ووليَّ الزوجةِ إلى التبصُّرِ والتذكُّرِ بفضلِهِمُ السابقِ واللاحقِ، وعدَمِ الظلمِ والبغي فيما بينَهم، والشيطانُ يَحرِصُ على نِسْيانِ الخيرِ؛ ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣]، وإذا نُسِيَ الخيرُ والحقُّ والفضلُ، حضَرَ غيرُهُ.

* * *

قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨].

أمَرَ اللهُ بالمحافَظَةِ على الصلواتِ، ومرتبةُ المحافَظَةِ فوقَ مرتبةِ الأداءِ؛ لأنَّ الأداءَ يقَعُ مِن الفعلِ مَرَّةً، والمحافظةُ تكونُ على الدوامِ، ثمَّ أمَرَ اللهُ بالقيامِ قنوتًا للهِ؛ لبيانِ أنَّ القصدَ مِن الأمرِ بالصلاةِ ليس مجرَّدَ الأداءِ أوِ المداوَمَةِ على أيِّ وجهٍ جاء، دون أنْ يكونَ ذلك أداءً ومحافَظةً بقنوتٍ للهِ خالِصًا، وهذا يتضمَّنُ الأمرَ بالخشوعِ وحضورِ القلبِ، فمِن معاني القنوتِ: الدعاءُ، وطُولُ القيامِ، والسكوتُ، والخشوعُ، والإمساكُ عمَّا يُخِلُّ بالصلاةِ؛ وكلُّ ذلك مستلزِمٌ لحضورِ القلبِ.


(١) أخرجه ابن كثير في "تفسيره" (١/ ٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>