للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبُ الإمَارةِ والوِلَايةِ:

والأصلُ: أنَّ طلبَ الوِلَايةِ مكروهٌ، وقد نهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ وذلك لأنَّ طالِبَها يتشوَّفُ إليها، ومَن قصَدَ الوِلَايةَ طمعًا في الجاهِ والمال، لم يتحقَّق فيه قصدُ العدلِ؛ فمِثلُهُ لا بدَّ أن يَظلِمَ في قليلِ أو كثيرٍ، ويُسلَبُ عونَ اللهِ وتوفيقَهُ له في وِلايتِهِ بمِقْدارِ حِرْصِهِ عليها، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عبد الرحمنِ بنِ سمُرَةَ - رضي الله عنه -؛ قال: قال لي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا؛ وَإِن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا" (١).

وكذلك: فإنَّ النفوسَ تُقبِلُ وتَتشوَّفُ إليها، وتَحرِصُ عليها، وعاقبتُها على طالِبِها ندامةٌ في آخِرِها، وإنْ وجَدَ لذَّةً في أوَّلِها، وفي البخاريّ، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: (إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَة، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَة، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ) (٢).

وطلبُ الإمارة على حالتَينِ:

الحالةُ الأُولى: مَن طلَبَها وسأَلَها لحظِّ نفسِهِ فقطْ، فيُريدُ منها جاهًا وسُؤْدَدًا، فهذا الطلبُ منه مكروهٌ، وقد يحرُمُ، بحسَب ما يفوِّتُهُ حظُّ نفسِهِ مِن حظوظِ الناس، وتوليتُهُ على ذلك ممَّن يَملِكُ حقَّ التوليةِ مكروهٌ، وقد يحرُمُ، بحسَبِ ما سبَقَ، ولم يكنِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوَلِّي مَن حرَصَ على الولايةِ وسألَها؛ ففي "الصحيحَينِ"، مِن حديثِ أبي موسى - رضي الله عنه -؛ قال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلَانِ مِن قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَينِ: أمِّرْنَا يَا رَسُولَ الله، وَقَالَ الآخَرُ مِثلَهُ، فَقَالَ: (إِنَّا لَا نُولِّي هَذَا مَنْ سأَلَهُ، وَلَا


(١) أخرجه البخاري (٦٦٢٢)، وسلم (١٦٥٢).
(٢) أخرجه البخاري (٧١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>