دونَ استحلالٍ فِسْقٌ وفُحْشٌ؛ فلا يلزَمُ مِن فعلِ المُحرَّمِ تشريعُ حِلِّه، ولا مِن تركِ الحلالِ تشريعُ تحريمِه.
حكمُ العقدِ على مَحْرَمٍ:
وإنَّما الخلافُ طرَأَ عندَ الفقهاءِ؛ لاختلافِهم في أمرِ العقودِ: هل هي استحلالٌ صريحٌ للمُحرَّمِ أو لا؟
والحقُّ: أنَّ مُشرِّعَ العقودِ وسَانَّها حُكْمُهُ أشَدُّ مِن حُكْمِ المُتعاقِدين، فمَن شرَّعَ العقودَ للوقوعِ في المُحرَّمِ؛ كمَن يُشرِّعُ الحرامَ بسَنِّ عقودٍ للزُّناةِ إذا أرادُوا الزِّنى، ومَن يسُنُّ ويُشرِّعُ عقودًا لمتبايِعِي الخمرِ إذا تبايَعُوا، فهذا مُشرِّعٌ مِن دونِ اللهِ حاكمًا أو نظامًا، وهذا كفرٌ باللهِ.
وأمَّا المتعاقِدانِ على محرَّمٍ قطعيٍّ مِن نِكاحٍ أو بيعٍ أو طعامٍ ونحوِ ذلك مع العِلْمِ بتحريمِهِ؛ كمَن عقَدَ على امرأةٍ لا تَحِلُّ له:
فقد ذهَبَ جماعةٌ مِن الفقهاءِ: إلى أنَّ ذلك ليس بتشريعٍ قطعيٍّ حتى تقومَ قرينةٌ أو بيِّنةٌ عليه، وإنَّما هو فِعلٌ للمحرَّمِ؛ وبهذا قال جماعةٌ مِن الفقهاءِ؛ كأبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأبي يوسُفَ ومحمدِ بنِ الحسنِ وجماعةٍ مِن فقهاءِ المالكيَّة، وهو قولُ ابنِ عبدِ الحكمِ وأبِيهِ وابنِ القاسِمِ وأَشْهَبَ وغيرِهم، وهؤلاء وإنِ اختلَفُوا في العقوبةِ وصِفةِ إنزالِها، فإنَّهم يتَّفقونَ على أنَّ المتعاقدينِ لم يَكْفُرَا.
وظاهرُ مذهبِ أحمدَ وقولِهِ: أنَّ مَن عقَدَ على امرأةٍ محرَّمةٍ عليه تحريمًا قطعيًّا: أنَّه يُحَدُّ رِدَّةً؛ لأنَّ التعاقُدَ عليه استحلالٌ عندَهُ؛ وبهذا قال إسحاقُ والطحاويُّ وابنُ تيميَّةَ وابن كثيرٍ.
واستدَلَّ أحمدُ: بما رواهُ هو مِن حديثِ عديِّ بنِ ثابتٍ، وأبي الجَهْمِ؛ كلاهما عن البراءِ بنِ عازبٍ؛ قال: "مَرَّ بي عَمِّي الحَارِثُ بْنُ عَمرٍو وَمَعَهُ لِوَاءٌ قَدْ عَقَدَهُ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ عَمِّ،