ويُؤكِّدُ القولَ بهذا: أنَّ اللهَ سمَّى الحَكَمَيْنِ بالحَكَمَيْن، لأنَّهما قاضيانِ، لا وكيلانِ ولا شاهدانِ، والحاكمُ يَقضي ويُلزِمُ.
والأرجَحُ: أنَّهما يُوقِعَانِ الطلاقَ، ولكنَّه يقعُ واحدةً؛ لأنَّه أَدْنى الحُكْمِ الذي تتحقَّقُ به المصلحةُ للزوجَيْنِ؛ وهذا قولُ مالكٍ.
ولا بدَّ للحَكَمَيْنِ أنْ يَعْلَمَا حالَ الزوجَيْنِ وما بينَهما مِن حقوقٍ ودَعْوَى، ورِضًا وغضبٍ، وما يُريدانِ مِن بقاءٍ وفُرْقةٍ حتى يَصْدُرَا بما يُصلِحُ الزوجَيْن، لا بما يُفسِدُهما، فيكونَ البغيُ والظلمُ.
وتعليقُ اللهِ التوفيقَ في اجتماعِ الحَكَمَيْن، وهما اثنانِ -: دليلٌ على فضلِ الاجتماعِ، فاجتماعُ الجماعةِ الكثيرةِ مِن المُسلِمينَ على الأمرِ أقرَبُ إلى توفيقِ اللهِ وَأوْلى به.
ذمُّ الكثرةِ ومَدْحُهَا:
واللهُ ورسولُه ﷺ يَذكُرانِ الكثرةَ ويَذْمَّانِها إن كانتْ في عمومِ الناسِ جميعًا الكافرِ والمسلم، ويَمْدَحَانِها إنْ كانتْ في المُسلِمينَ، ومدحُ الكثرةِ في المُسلِمينَ قرينةٌ على الحقِّ، لا دليلٌ عليه، وذمُّ الكثرةِ في الناسِ كلُّهم دليلٌ على الباطل، لا قرينةٌ عليه؛ فاللهُ يقولُ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)﴾ [هود: ١٧] , ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٧)﴾ [الأعراف: ١٨٧] , ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)﴾ [البقرة: ٢٤٣] , ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣)﴾ [المائدة: ١٠٣]، والكثرةُ في المُسلِمينَ محمودةٌ لكنْ ليست دليلًا بل قرينةٌ؛ فقد تكونُ الكثرةُ على الباطل، والقِلَّةُ على الحقِّ، فلم يَذُمَّ اللهُ عليه أكثر المُسلِمينَ؛ وإنَّما الذمُّ لما عليه أكثرُ الناسِ كلِّهم.
ومآلاتُ الأمورِ إلى اللهِ؛ هو أعلَمُ بصالحِها وطالحِها، وخيرِها وشرِّها؛ فمَنِ امتثلَ أمْرَهُ، جعَلَ التوفيقَ له، ومَن خالَفَ أمْرَهُ، حُرِمَهُ؛ ولذا قال بعدَ ذلك: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾.