للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع سَعَةِ الأقطارِ التي حكَمَتْها تلك الدولُ، وطُولِ المدَّةِ التي تولَّوْا فيها، وإنَّما هم مَوْكُولونَ إلى عملِهم وما قام بأنفُسِهم، واللهُ يفصِلُ بينهم بما يعملودَ هُم أنفسُهم.

وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسمِّي النَّجَاشِيِّ الملِكَ العادلَ الذي لا يَظلِمُ ولا يُظلَم عندَه أحدٌ، وذكَرَ بعضُ الرُّواةِ أنه سماهُ الملِكَ الصالِحَ؛ وفي هذا: دليلٌ على أن مَن قامَ بالعدلِ على مرادِ اللهِ حسَبَ طاقتِه، فهو عادلٌ وإنْ عجَز عن نِسْبةِ عملِهِ إلى شريعةِ الله، فموافقتُهُ لها في حُكمِهِ كافيةٌ في وصفِهِ بالعدلِ وحالُهُ تلك.

شروطُ مَنْ يُوَلَّى على الوِلَاياتِ:

وفي قولِه تعالى: {حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ذكَرَ اللهُ شَرْطَي الولايةِ:

الأَوَّلُ: الأمانةُ؛ وهو قولُهُ تعالى: {حَفِيظٌ}؛ أي: أمينٌ.

الثاني: القوةُ، وهو قولُه: {عَلِيمٌ}؛ أي: عليمٌ بالأمرِ خبيرٌ به، وليس المرادُ ذلك قوَّةَ البدَنِ فحَسْبُ، بل القوَّةَ التي يَتحصَّلُ بها معرفةُ الحقّ، سواءٌ كانتْ عقليَّةً، وهي العِلْمُ، أو بدنيَّةً، وهي قُدْرةُ البدَنِ على التصرُّفِ.

وذِكرُ اللهِ لهذَيْنِ الشرطَينِ نظيرُ قولِ ابنةِ صاحِبِ مَدْيَنَ عن موسى: {يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)} [القصص: ٢٦]، وقال عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ لسليمانَ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: ٣٩]، وقد مدَحَ اللهُ جِبريلَ لِمَا جَعَلَهُ عليه مِن ذلك فقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: ٢٠، ٢١].

فمَنْ جمَعَ الشرطَين، كان أهلًا للوِلَاية، فقولُه {حَفِيظٌ}؛ أي: أمينٌ، وقولُه: {عَلِيمٌ} عالِمٌ عارِفٌ بما وُلِّيتُ عليه؛ فقد يكونُ الرجلُ أمينًا في نفسِه، صادقًا في نِيَّتِهِ وقصدِه، ولكنَّه جاهلٌ فيما يتولَّاهُ، فيُفسِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>