للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإثخانُ؛ كما في ظاهرِ الآية، وليس ذلك مِن التعذيبِ؛ وإنَّما منِ العقابِ الذي أَذِنَ الله به، وقد فرَّقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ببنَهما كما في مُرسَلِ القاسم؛ قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لِأُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ؛ إِنَّمَا بُعثْتُ بِضَرْبِ الرِّقَابِ وَشَدِّ الْوَثَاقِ) (١).

وهذا هو المقصودُ في قولِه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا قَتلْتُم، فَأَحْسِنُوا الْقِتلَةَ)؛ كما رواهُ مسلمٌ، عن شدَّادٍ (٢)، فالأسيرُ يُحسَنُ في قتلِهِ إن أرادَ المُسلِمونَ قَتلَه، ولا يُعذَّبُ بحَرْقِ لِجَسَدِه، أو تقطيع لجِلْدِه، أو قَلْع لأظفارِه، أو تكسيرٍ لعِظامِه، حتى لو أنَّ الكفَّارَ المُحارِبينَ فعَلوا ذلك في المُسلِمينَ، فإنْ أسَرُوا واحدًا منهم، فليس للمُسلِمينَ أن يُعذبُوا أَسرَاهُم؛ كما كانوا بيُعذِّبونَ أسْرَى المؤمنينَ، وقد كان الصحابةُ يَلقَوْنَ مِن كفَّارِ قريشٍ شِدَّةَ بتعذيبِهم؛ كما فُعِلَ في عمَّارِ وأمِّهِ وبلالٍ وغيرِهم، ولم يكنِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفعَلُ ذلك في أسْرَاهُمْ لمَّا تمكَّنَ منهم، فللمُسلِمينَ أن يَقتُلُوا أَسْرَاهُمْ لكنْ لا يُعذِّبونَهم، وقد كان تاريخُ المُسلِمينَ مع أعدائِهم مليئًا بأخبارٍ وآثارٍ عُذِّبَ فيها المُسلِمونَ مِن أعدائِهم زمنَ الصحابةِ والتابعينَ وأَتْباعِهم بأنواعِ العذاب، ولم لِكنِ السلفُ يَفعلونَ ذلك بأسْرَاهُم.

مُجازاةُ المُحارِبينَ بالمِثْلِ:

وإذا تقابَلَ المُسلِمونَ والمشركونَ في قتالٍ، ففعَلَ المشرِكونَ بالمُسلِمينَ ما لا يجوزُ للمُسلِمينَ أن يَفعَلُوهُ ابتداءً؛ كضَرْبِ مُدُنِهِمْ ومَزارعِهِمْ وبُيوتِهم، ولم يُفرِّقُوا بينَ شيخٍ وامرأةٍ وصبيٍّ ومجنونٍ، فيجوزُ للمسلِمينَ أنْ يَرمُوهم ويَضرِبوهم بمِثْلِ ذلك، مِن غيرِ أن تُقصَدَ عينُ صبيٍّ


(١) أخرجه بن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣١٤٥)، والطبري في "تفسيره" (١١/ ٧٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>