للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البابِ، ولكنَّها لم تكنْ لأحدٍ منهم دائمةً وبطلبٍ منه يَتَّبِعُها ويتعاملُ مع قرينِهِ كما يتعاملُ الجانُّ، بل سَمِعْنا منهم مَن يَسمَعُ أصواتًا تُوقِظُهُ للصلاةِ إنْ كان نائمًا، ويسمعُ نداءً يُرْشِدُهُ إنْ كان تائهًا، وهذا عارضٌ، ليس طلبًا وبحثًا منهم عن ذلك، كما يتعاملُ مَن يَقصِدُ الجِنَّ بالسؤالِ والجلوسِ إليهم والخَلْوةِ بهم في البَرَّ والظُّلُماتِ؛ فليس هذا مِن هَدْيِهم ولا يُجِيزُونَه.

وهذه الأمورُ كلُّها قد دفَعَها اللَّهُ عن نبيَّه سُلَيْمانَ، فأَطْلَعَهُ على ما لم يُطلِعْ عليه غيرَهُ مِن أمرِ الجانِّ، وسخَّرَهم له كالعبدِ مع سيِّدِه.

* * *

* قال تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)[سبأ: ١٣].

سخَّرَ اللَّهُ الجِنَّ لسليمانَ يَعْمَلُونَ له ويَصْنَعونَ معه ما يشاءُ مِن المحاريبِ، وهي الأبنبةُ مِن مساكنَ وغيرِها.

حُكْمُ التماثيلِ وصُوَرِ ذواتِ الأرواحِ:

وأمَّا قولُه تعالى: ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾، فقيل: هي الصُّوَرُ؛ كما قالهُ السُّدِّيُّ والضحَّاكُ (١).

ولم يثبُتْ في شيءٍ مِن السُّنَّةِ ولا مِن أقوالِ أحدٍ مِن الصحابةِ: أنَّ التماثيلَ التي كانت تُعمَلُ لسليمانَ أنَّها صورُ ذاتِ أرواحٍ، والتماثيلُ لا يَلزَمُ من إطلاقِها أن تكونَ صورًا لذي روحٍ؛ فقد تكونُ لشجرٍ وكوكبٍ وآنيةٍ؛ فالتمثالُ هو المجسَّمُ الذي يكونُ مثالًا لشيءٍ محسوسٍ؛ سواءٌ كان


(١) "تفسير الطبري" (١٩/ ٢٣١)، و"تفسير ابن كثير" (٦/ ٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>