للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة النور]

سورةُ النورِ مدَنيَّةٌ، وقد حُكِيَ الإجماعُ على ذلك (١)، ويَظهرُ ذلك في تفاصيلِ أحكامِها مِن أحكامِ النظرِ، والحِجَابِ، والتحيَّةِ، والاستئذانِ عندَ الدخولِ، وحقوقِ البيوتِ وأهلِها، والحدودِ الواردةِ فيها كحَدِّ الزِّنى والقذفِ، ممَّا لم يكنْ مِثلُهُ يَنزِلُ بمَكَّةَ، وهذه الأحكامُ والتفاصيلُ نزَلَتْ بالمدينةِ بعدَ استقرارِ التوحيدِ وتحقُّقِ التمكينِ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وفي هذا: إشارةٌ إلى أنَّ الأحكامَ العامَّةَ والحدودَ إنَّما يُؤمَرُ بها عندَ التمكينِ في الأرضِ وعندَ التمكُّنِ مِن الناسِ وقَبُولِ كثيرٍ منهم للحقِّ، لأنَّ الحقَّ إذا أُقِيمَ في ناسِ لا يُريدونَهُ جمعًا، كان مَدْعاةً للتنكُّرِ له وجحوده وحَرْبِهِ ورَدِّهِ كلِّه، حتى وإنْ كان الاعتراضُ على بعضِه، فلا تُقامُ الحدودُ إلَّا عندَ التمكينِ ووجودِ ناصرٍ مِن الناسِ يَحمِيهِ عندَ تمرُّدِ بعضِ الناسِ عليه، وقد تقدَّمَ الكلامُ على التمكينِ ومَراتبِهِ وشروطِهِ وأحوالِهِ مفصَّلًا عندَ قولِ اللَّهِ تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الحج: ٤١].

* * *

* قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)} [النور: ٢].

بيَّنَ اللَّهُ تحريمَ الزِّنى وعِظَمَ خطرِهِ وكَوْنَهُ مِن المُوبِقاتِ، وهو مِن


(١) "تفسير القرطبي" (١٥/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>