وهذا القولُ قولُ عُمَرَ وعثمانَ وابنِ عُمَرَ وابنِ مسعودٍ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعيِّ وغيرِهم.
تركُ المعتدَّةِ البقاء في بيتِ زوجها:
وظاهِرُ الآيةِ يُسقِطُ النفقةَ مِن مالِ الزوجِ إذا ترَكَتِ التربُّصَ في بيتِهِ حولًا باختيارِها زاهِدةً فيه، بلا ضرورةٍ وحاجةٍ، فجعَلَ اللهُ المُتْعةَ تابعةً للسُّكْنَى في بيتِهِ؛ فإنِ اختارَتِ الخروجَ منه، فلا يجبُ لها مُتْعةٌ؛ لأنَّها أسقطَتْ حقَّها باختيارِها؛ لظاهرِ قولِه تعالى: ﴿مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾.
فقد تخرُجُ الزوجةُ مِن سُكْناها، وتَرْغَبُ في الزواجِ قبلَ الحولِ - على من قال بالآيةِ - فلا يَصِحُّ القولُ بوجوبِ النفقةِ لها مُدَّةَ الحولِ ولو خرَجتْ مِن بيتِ زوجِها المتوفَّى، أو بَقِيَتْ فيه لكنْ تَزَوَّجَتْ بعدَهُ، حتَّى على قولِ مُجاهِدٍ المرجوحِ؛ فالنَّفَقةُ تجبُ مِن مالِ الزوجِ لأجلِ الزوجيَّةِ؛ فلا يَصِحُّ أن يقالَ بها بعد زواجِ المرأةِ بعدَ وفاةِ زوجِها قبلَ الحولِ بحالٍ.
وإنْ خرَجَتْ للضرورةِ كالخوفِ، أو للحاجةِ استيحاشًا مِن الوَحْدةِ، فلا يسقُطُ حقُّها مِن النَّفَقةِ؛ كأنْ تسكُنَ عندَ أهلِ زوجِها أو غيرِهم.
الحكمةُ من تربُّصِ المتوفى عنها ببيتِ زوجِها:
وإنَّما جعَل اللهُ التربُّصَ أوَّلَ الأمرِ في بيتِ الزوجِ والمتاعَ لها حَوْلًا؛ رحمةً بالمرأةِ وإحسانًا إليها؛ حتَّى تنظُرَ أَمْرَها في زوجٍ آخرَ، ونَفَقةً وسُكْنَى، وهي لا تنقُصُ مِن حَقِّ الوَرَثةِ أمرًا ظاهرًا، بل بالمعروفِ، كما كان في حياةِ زَوْجِها، ولأنَّ للوفاةِ أَلَمًا ومصيبةً تَشغَلُ الزوجةَ عنِ النظرِ في أمرِها ومستَقْبَلِها كما لو كانت مطلَّقةً، فاستَحَقَّتِ المتعةَ سُكْنَى ونفقةً حولًا أوَّلَ الأمرِ، ثمَّ جُعِلَتْ عِدَّتُها أربعةَ أشهُرٍ وعشرًا.