للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن القرائنِ قولُه ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾؛ فالعبورُ إشارةٌ إلى أنَّ المرادَ به محلُّ الصلاة، فضلًا عن فِعْلِها.

والخِطابُ في قولِه تعالى، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ توجيهٌ للمُسْلِمِينَ قبلَ القطعِ بتحريمِ الخمرِ؛ فلم يُنْهَ الناسُ عنها فضلًا عن عِقَابِهم بالحَدِّ عليها، والنهيُ تَوجَّهَ للمؤمِنِ قبلَ سُكْرِهِ أنْ يَسكَرَ عندَ قُرْبِ الصلاةِ، فيتسبَّبَ ذلك في تركِهِ الصلاةَ أو تَرْكِهِ إقامتَها على وجهِها فلا تُقبَلَ، ويتضمَّنُ الخِطَابُ حِينَها بدَلَالةِ المفهومِ جوازَ السُّكْرِ في غيرِ وقتِ قُرْبِ الصلاة، فالخِطَابُ تَوَجَّهَ للعاقلِ ألَّا يسكَرَ عندَ قُرْبِ الصلاةِ، لا للسَّكْرانِ أنْ يقترِبَ مِن الصلاةِ؛ لأن السَّكْرانَ عيرُ مُخاطبٍ لعدمِ عقلِه.

وفي هذا قرينةٌ على نهي الرجُلِ عن أكلِ الثُّومِ والبصلِ عندَ قُرْبِ الصلاةِ جماعةً؛ ففي الحديثِ؛ أَنَّ النَّبيَّ نَهَى عَنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْن، وَقَالَ: (مَن أَكَلَهُمَا، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) (١)؛ فالسكرُ عندَ نزولِ هذه الآيةِ لم يكُنْ مُحرَّمًا، فنُهِيَ السكرانُ وآكِلُ الثُّومِ والبصلِ عن قُرْبِ الصلاةِ؛ يعني: موضعَها، وتعدَّى نهيُ السكرانِ عن أداءِ الصلاةِ نفسِها أيضًا؛ لعدم العقلِ عندَ أدائِها، فكان نهيُ الرجلِ عن قُرْبِ الصلاةِ وهو سكرانُ أشَدَّ؛ لهذا جاء في القرآن، وجاء النهيُ عن الصلاةِ جماعةً لآكِلِ الثُّومِ والبصلِ في السُّنَّة، ولو أدَّاها صحَّتْ منه، بخلافِ فاقِدِ العقلِ بسُكْرٍ ونحوِه.

قربُ الصلاةِ جماعةً برائحة كريهة:

ولا يجوزُ لأحدٍ أن يتعمَّدَ أكْلَ الثَّومِ والبصلِ ليُعذَرَ بتركِ الصلاةِ


(١) أخرجه أحمد (١٦٢٤٧) (٤/ ١٩)، وأبو داود (٣٨٢٧) (٣/ ٣٦١)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٦٦٤٧) (٦/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>