للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

توبةُ القاتِلِ:

وأمَّا آيةُ الفُرْقانِ في قَبُولِ توبةِ القاتلِ بعدَ ما ذكرَ الشِّرْكَ والقَتْلَ والزِّنى، قال: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠]، فحَمَلَها على المُشْرِكِ الذي يَقتُلُ في جاهليَّتِه وشِرْكِه؛ فقد روى الشيخانِ؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ جبيرٍ؛ قال: "أمَرَني عبدُ الرحمنِ بنُ أَبْزَى؛ قال: سَلِ ابنَ عبَّاسٍ عن هاتَيْنِ الآيتَيْنِ؛ ما أمرُهما: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (١) [الأنعام. ١٥١]، ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾؟ فسألتُ ابنَ عبَّاسٍ، فقال: لمَّا أُنزلَتِ التي في الفُرْقان، قال مُشرِكو أهلِ مكَّةَ: فقَدْ قتَلْنا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ، ودعَوْنا مع اللهِ إلهًا آخَرَ، وقد أتَيْنَا الفواحشَ! فأنزَلَ اللهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ [الفرقان: ٧٠]؛ فهذه لأولئكَ، وأمَّا التي في النساءِ: الرَّجُلُ إذا عرَفَ الإسلامَ وشرائعَهُ، ثمَّ قتَلَ، فجزاؤُهُ جهنَّمُ، فذكَرتُهُ لمجاهدٍ، فقال: إلَّا مَن نَدِمَ" (٢).

ومِن العلماءِ: مَن يستدِلُّ على قَبولِ توبةِ القاتلِ بِما ثبَتَ في "الصحيحَينِ "! مِن حديثِ أبي سعيدٍ، في الرَّجُلِ مِن بني إسرائيلَ الذي قتَلَ تسعةً وتسعينَ نَفسًا، ثمَّ أتَمَّ المِئةَ بِراهبٍ، قَالَ: ليس لك مِن توبةٍ، حتَّى سألَ عن أَعْلَمِ أهلِ الأرض، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ، فقال: إنَّه قتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فهل له مِنْ تَوْبةٍ؟ فقال: نعَمْ، ومَن يَحُولُ بينَه وبينَ التوبةِ؟ ! الحديثَ (٣).

وهذا وإن كان في بني إسرائيلَ إلَّا أنَّ القاعدةَ: أنَّ الأمَّةَ أوسَعُ الأممِ رَحْمةً؛ فهي داخلةٌ في ذلكَ مِن بابِ أَوْلى.


(١) قال ابن حجر في "فتح الباري" (٧/ ١٦٨) - "كذا وقَعَ في الرواية، والذي في التلاوةِ: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [٦٨] هكدا في سورةِ الفرقان، وهي التي ذُكِرَتْ في بقيةِ الحديثِ؛ فتعيَّنَ أنَّها المرادُ في أوَّلِه".
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٥٥) (٥/ ٤٥)، ومسلم (٣٠٢٣) (٤/ ٢٣١٨).
(٣) أخرجه البخاري (٣٤٧٠) (٤/ ١٧٤)، ومسلم (٣٧٦٦) (٤/ ٢١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>