للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ إعادةَ الحقوقِ فرضٌ على القادِرِ مِن الأُمَّة، ويقومُ بها مَن يَكفي إنْ وُجِدَ عن بقيَّتِهم، وإلَّا أَثِمَ القادرونَ جميعًا، وأخذُ الهديَّةِ على الشفاعةِ في أخذِ الحقِّ ورفعِ الظُّلْمِ: رِشْوةٌ.

وربَّما أطلَقَ بعضُ الفقهاءِ الجوازَ مُخالِفًا إجماعَ السلفِ في هذا النوعِ، فلو جاز أخذُ العطاء على هذا النوعِ مِن الشفاعة، بُذِلَتِ الشفاعةُ لِمَنْ لا يستحِقُّها، واشتراها أَقْدَرُهُمْ على دفعِ المال، وتَعَطَّلَتْ عن أهلِها ومستَحِقِّيها، بل مُقتضَى ذلك: جوازُ الشفاعةِ في أخذِ الزكاةِ لمستحِقِّيها، وكذلك الفيءُ وإقطاعُ الأرض، وبهذا يفسُدُ أهلُ الجاهِ وتَضِيعُ الحقوقُ عندَ الأمراءِ.

دفعُ الضَّرَرِ بالمالِ:

ومَن عجَزَ عن رَفْعِ الظُّلْمِ عن نفسِهِ أو أخذِ حقِّه، ولم يَجِدْ شافعًا إلَّا بالمال، جاز منه، وحَرُمَ على الشافعِ؛ ففي "المسنَدِ"، عن عمرَ - رضي الله عنه -؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (أَمَا وَالله، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُخْرِجُ مَسْأَلتَهُ مِنْ عِنْدِي يَتَأَبَّطُهَا)؛ يَعْنِي: تَكُونُ تَحْتَ إِبْطِهِ؛ يَعْنِي: نَارًا، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، لِمَ تُعْطِيهَا إِيَّاهُمْ؟ قَالَ: (فَمَا أَصْنَعُ؟ يَأْبَوْنَ إِلَّا ذَاكَ، وَيَأْبى اللهُ لِي الْبُخْلَ! ) (١).

الفرقُ بين الجعالةِ والشفاعةِ:

والفرقُ بينَ الشفاعةِ والجِعَالَةِ: أنَّ الشفاعةَ تُبذَلُ بالجاهِ لا بمجرَّدِ العملِ، والجِعَالةَ بالعملِ ولو مِن كلِّ أحدٍ، ولو تَبعَ ذلك شيءٌ مِن الجاهِ غيرِ المقصودِ بِذَاتِه، فالجِعَالةُ: عملٌ يقومُ به كلُّ أحدٍ ويمتازُ به أهلُ الخِبْرةِ ويشترِكونَ فيه، وأمَّا الشفاعةُ: فيختصُّ بها أهلُ الجاه، ولا يقومُ بها كلُّ أحدٍ بعملِهِ ولو كان خبيرًا، وأمَّا الخبيرُ الذي اكتسَبَ الخِبْرةَ بعَمَلِه؛ كالخِرِّيتِ الذي يَعرِفُ الطريقَ ومسالِكَ السلامةِ وطُرُقَ الهلاكِ


(١) أخرجه أحمد (١١٠٠٤) (٣/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>