للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤].

نزَلت هذه الآيةُ في الصلاة، أمِرُوا بالإنصاتِ فبها؛ تعظيمًا لها ولو لم يكنْ هناك قراءةٌ مسموعةٌ، وإذا كانتِ الصلاةُ جهريَّةً، فالإنصاتُ آكَدُ؛ ولذا قدَّمَ اللهُ الاستماعَ على الإنصاتِ؛ لأنَّه هو المقصودُ منه، فقد يُنصِتُ مَن يَسمَعُ ولا يَستمِعُ.

وحكَى أحمدُ الإجماعَ في أن نُزُولَها في الصلاة، وحكاهُ مِثلَهُ الجصَّاصُ وغيرُه.

المقصودُ من الإنصاتِ في الصلاةِ:

وقد اختُلِفَ في المقصودِ مِن الإنصاتِ في الصلاةِ: هل هو منعٌ لكلامِ الناسِ أو هو شاملٌ حتى للقراءةِ؟ وقد جاءَ أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ في الصلاةِ بعدَما كانتِ الرُّخْصةُ لهم أنَّهم يتكلَّمونَ فيها، وقد ثبَتَ ذلك كما رواهُ ابنُ مسعودٍ؛ قال: "كنَّا يُسَلِّمُ بعضنا على بعضٍ في الصلاة، فجاءَ القرآنُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (١).

وجاء عن بعضِ السلفِ؛ صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ المسيِّبِ ومجاهدٍ والنخَعيُّ وغيرِهم؛ أنَّها نزَلَت في الصلاةِ للإنصاتِ خَلْفَ الإمامِ في الصلاةِ الجهريَّةِ؛ فلا يُقرَأُ القرآن وبهذا جرَّمَ أحمدُ؛ وهذا ظاهرٌ دخولُهُ في الآية؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾، وليس كلُّ الصلواتِ جهريَّةً يجبُ الإنصاتُ فيها لأجلِ الاستماع، فأكَثَرُ الرَّكَعات سِرِّيَّةٌ؛ ففي الفرائضِ سِتٌّ ركعاتٍ جهريَّةٍ، وهنَّ: الفجرُ وركعتَا المغربِ والعِشاءِ الأُوليَان، عدا يومِ الجمعةِ فتزيدُ فتكونُ ثمانيَ ركعاتٍ،


(١) "تفسير الطبري" (١٠/ ٦٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>