للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُشبِه هذا الاستعاذةُ عندَ دحولِ المسجدِ؛ كما في "السُّننِ"؛ مِن حديثِ عبد اللهِ بنِ عمرٍو؛ أنَّ النبيَّ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، قَالَ: (أعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيم، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيم، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيم، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (١). وعندَ ابنِ ماجَة يقولُ: (اللَّهُمَّ اعصِمْني مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ) عندَ الخروجِ مِن المسجدِ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ (٢).

والاستعاذةُ عندَ كلِّ موضعٍ يكونُ فِيه شيطانٌ دَلَّ الدليلُ على ذلك، دليلٌ مِن جنسِ التسبيحِ عندَ تنزيهِ الله مِن ألفاظِ وأفعالِ النقصِ ولو لم يَرِدْ في عَينِ الألفاظِ والأفعالِ حُكْمٌ خاصٌ، ومِن جنسِ الصدقة بعدَ السيِّئة، ومِن جنسِ قولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، عندَ التلبُّسِ بقولِ الكُفْرِ وفعلِهِ ولو مِن غيرِ قصدٍ؛ كما قال : (مَن حَلَفَ فَقَالَ في حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُل: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّق) (٣).

وأما القولُ بعدمِ مشروعيَّةِ الاستعاذةِ عندَ التثاؤبِ؛ لأنَّ النبيَّ بيَّنَ أنَّ التثاؤْبَ مِن الشيطانِ وأمَرَ بكَظْمِهِ حَسَبَ الاستطاعة ولم يُرشِدْ إلى الاستعاذة، كما أرشَدَ عثمانَ بنَ أبي العاصِ عندَ إحساسِهِ بالشيطانِ يَحُولُ بينَهُ وبينَ صلاتِه، فأمَرَهُ بالاستعاذةِ والتَّفْلِ: فهذا ككثيرِ مِن النِّعَم التي يذكُرُها اللهُ ويذكُرُ أنَّها مِن عِنْدِهِ ولا يَنُصُّ على الحمد، فليس كلُّ نِعْمةٍ يذكُرُ أنَّها مِن اللهِ ولا يأمُرُ بالحمدِ عندَ ذِكرِهِ لها: لا يُشرَعُ الحمدُ لذلك؛ كما أنه ليس كلُّ عملٍ يذكُرُ اللهُ أنه مِن الشيطانِ ولا يأمُرُ بالاستعاذةِ منه عندَ ذِكرِهِ له: لا يُشرَعُ له الاستعاذةُ؛ لكثرةِ الأنواعِ وتعدُّدِها، فاكتُفِيَ بالأمرِ العامِّ.

* * *


(١) أخرجه أبو داود (٤٦٦).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٧٧٣).
(٣) أخرحه البخاري (٤٨٦٠)، ومسلم (١٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>