له الخروجُ إلى بلدِ الشركِ والإقامة فيه إلَّا عابرًا متربِّصًا ينتظِرُ الفَرَجَ ورَفْعَ الظُّلْمِ عنه ليعُودَ، لا كمَن يقيمُ ويتزوج ويستكثِر مِن الذرية، فلا يجوزُ دفعُ ظُلم الدُّنيا بإيقاع ظُلْم الدِّين، وهو الكفرُ، وكثيرٌ مِن بُلْدانِ الإسلام اليومَ تَسَلَّطَ عليها حُكَّام أَظهَرُوا الكفرَ، وقَهَرُوا الناسَ عليه، فكانت إقامةُ المُصلِحِينَ فيها كإقامتِهم في بُلْدانِ الكفرِ أو أشدَّ، فإن عَجزوا عن الصبر، فلهم أن يتحولُوا عن بلدِهم إلى بُلدانِ المُسلِمينَ الأخرى، فإنْ عَجَزُوا، جاز لهم الخروجُ إلى بُلْدانِ الكفرِ التي يَظهَرُ فيها العدلُ لهم، مُتربِّصينَ بلدًا مسلمًا يُظهِرُونَ فيه دِينَهم؛ كما خرَجَ الصحابةُ إلى الحَبَشةِ وهو بلدُ كُفْرٍ، فلما مَكَّنَ اللهُ لنبيِّه بالمدينة، خرَجُوا إليها، وقد كان الزهري عازِمًا على أنَّه إن مات هشامُ بن عبد الملك، لَحِقَ بأرضِ الرومِ؛ لأنَّ الوليد بنَ يزيدَ كان قد نذَرَ دمَهُ إن قدَرَ عليه.
بلدُ الإسلام، وبلد الكفر:
وبلدُ الإسلام هو الذي يَسكُنهُ المُسلِمونَ ويُظهِرونَ شعائرَ دِينِهم: أصولَها وفروعَها، وأعلامَها ومشهورَها؛ كالتوحيدِ والصلاةِ والزكاةِ والصيام، والحجابِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَر، والأذانِ وبناءِ المساجدِ، ولو كان الحاكم كافرًا في نفسِه، فالبلدُ يَبقى مُسلِمًا بأهلِهِ وشعائرِه، يُهاجَرُ إليه ولا يُهاجَرُ منه، فلا أثرَ لكفرِ الحاكِمِ بعينه؛ فقد يكونُ الحاكمُ مُسلِمًا والمَحكومونَ كفارًا، فبلدُهم بلدُ كُفرٍ كالحبشةِ بعدَ إسلام النجاشي؛ هو حاكمٌ مسلِمٌ ورعيتُهُ نَصَارَى، وبلدُهُ بلدُ كفرٍ وإنْ آوَوا وعَدَلُوا في حقوقِ الناسِ ولم يَظْلِمُوهم.
وقد يكونُ العكس؛ فيكونُ الحاكمُ كافرًا، ورعيتُهُ مُسلِمةَ يُظهِرونَ الدِّين وشعائرَهُ؛ فالحُكمُ لهم لا لحاكِمِهم على الصَّحيح، ولا تخلُو قرونُ الإسلامِ وأقاليمُهُ مِن ارتكابِ بعضِ الحُكَّامِ لمُكَفِّرٍ، ومِن العلماءِ مَن يَنُصُّ