وذكر صيد المُحْرِم مع الضرورات لا يناسب السياق؛ لأنه يتعلق بحال مخصوصة وهي الإحرام. وقد اجتمع في الصيد للمحرم وأكل الميتة النهي، واختصت الميتة بالضرر على الأكل في بدنه، وإنما رخص الشارع بها لدفع الموت.
وفي مِثلِ حالِ الاضطرارِ والخوفِ على النفسِ هل يُقالُ بوجوبِ أكلِ المَيْتةِ، أم أنَّ الأمرَ على التخيير والإباحةِ، ومَنِ اختارَ الموتَ فله ذلك؟ :
أمَّا التخييرُ، فليس مقصودًا في الآيةِ؛ وإنَّما السياقُ جاء لبيانِ الإباحةِ بعدَ الحظرِ، وإذا جاء السياقُ بالإباحةِ بعدَ الحظرِ، فإنه يكونُ للترخيصِ، ويَرجِعُ الحُكْمُ في المسألةِ إلى الحالِ كما لم يكنْ حظرٌ أصلًا، وهو إذا خافَ الإنسانُ الهلاكَ وعندَهُ طعامٌ مباحٌ كالتمرِ، هل يجبُ عليه الأكلُ؟ نَعَمْ، يجبُ بلا خلافٍ.
ولحمُ المَيْتةِ وشَحْمُها وعَظْمُها: نَجِسٌ، ولا يجوزُ الانتفاعُ به بحالٍ؛ لنجاستِهِ، واستثنَى بعضُ السلفِ الانتفاعَ الذي لا يَمَسُّهُ الإنسانُ.
روى عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال: أخبَرَني عطاءٌ؛ قال: "ذكَرُوا أنَّه يُسْتَثْقَبُ بِشُحُومِ الميتةِ، ويُدهَنُ بها السُّفُنُ، ولا يُمَسُّ، قال: يُؤخَذُ بعُودٍ، قلتُ: أيُدهَنُ لها غيرُ السُّفُنِ أَدِيمٌ أو شيءٌ يُمَسُّ؟ قال: لم أَعْلَمْ، قلتُ: وأين يُدْهَنُ مِن السُّفُنِ؟ قال: ظهورُها، ولا يُدْهَنُ بطونُها، قلتُ: ولا بدَّ أنْ يَمَسَّ وَدَكَها بيدِهِ في المِصْباحِ؟ قال: فلْيَغسِلْ يدَهُ إذا مسَّه (١)؛ وهو صحيحٌ عنه.