للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزوجَيْنِ على قَدْرٍ مفصَّلٍ يعالِجُ النفوسَ، ويُبقِي الصلةَ بينَ الزوجَيْنِ.

وقد حَفِظَ اللهُ حقَّ الزوجةِ مِن زوجِها، ورفَعَ ظُلْمَهُ عنها؛ لأنَّ الرَّجُلَ يَقضِي وطَرَهُ بزوجةٍ أخرى، وله في ذلك ثلاثُ زوجاتٍ غيرُها، أو بأَمَتِهِ، ولا حَدَّ له في ذلك، وأمَّا الزوجةُ، فلا تَقضِي حاجتَها إلَّا بزَوْجِها، ولا يَحِلُّ لها أن يَقرَبَها عبدُها، فكانَ الأذى عليها في ذلك ظاهرًا، فجَعَلَ اللهُ حَدًّا لذلك؛ حتَّى لا تُظلَمَ ويفسُدَ دِينُها.

وهذه الآيةُ. ممَّا ليس في السُّنَّةِ شيءٌ يبيِّنُ فيها صفةَ الإيلاءِ وكيفيَّةَ الفَيْءِ، ووقوعَ الطلاقِ وصفتَهُ؛ ولذا قال الشافعيُّ في "رسالَتِهِ": "لم يُحفَظْ عن رسولِ اللهِ فىِ هذا شيئًا" (١).

أنواعُ الإيلاءِ:

والإيلاءُ على نوعَيْنِ؛ مشروعٍ، وممنوعٍ:

الأولُ: الجائِزُ المشروعُ، ويكونُ بشرطَيْنِ: ألَّا يتجاوَزَ أربعةَ أشهرٍ، وألَّا يُقصَدَ به الإضرارُ بالزوجةِ، فإنْ قُصِدَ به الإضرارُ بالزوجةِ، فلا يجوزُ ولو كان دونَ أربعةِ أشهرٍ؛ كمَنْ يُؤْلِي مِنْ نسائِهِ ثلاثةَ أشهرٍ وشيئًا، ثُمَّ يَفِيءُ، ثُمَّ يُؤْلِي مِثلَها، ثُمَّ يَفِيءُ، فيُجامِعُ زوجتَهُ في العامِ ثلاثَ أو أربعَ مرَّاتٍ؛ فالضَّرَرُ محرَّمٌ ولو كان في صُورةِ الجائِزِ، ولا عِبْرةَ بالمُدَّةِ ولو كانت أيَّامًا معدوداتٍ؛ كمَن يَعلَمُ ضَرَرَ زوجتِهِ بتَرْكِها أيَّامًا، فقصَدَ ذلك.

وأمَّا الإيلاءُ دونَ أربعةِ أشهُرٍ بلا ضَرَرٍ، وبمقصدٍ شرعيٍّ؛ كقصدِ التأديبِ والتهذيبِ والإصلاحِ، فلا حرَجَ فيه؛ لفِعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له، فقد آلَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن نِسَائِهِ شَهْرًا؛ كما ثبَتَ في "الصحيحِ"؛ مِنْ حديثِ أنسٍ (٢)، وأُمِّ سَلَمةَ (٣).


(١) "الرسالة" (٥٧٨).
(٢) أخرجه البخاري (٣٧٨) (١/ ٨٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٩١٠) (٣/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>