أهلِكَ"؛ أيْ: أن تَقصِدَ الإحرامَ للحجِّ، لا أن تُحْرِمَ، والمرادُ: ألَّا يُخرِجَهُ لمَكَّةَ مصلحةُ دُنيا يَخلِطُها بدِينٍ، أو تجارةٌ مَعَ نُسُكٍ، فهذا - وإن كان جائزًا وصحيحًا - إلَّا أنَّه ليس إتمامًا؛ فالصحابةُ كعَلِيٍّ، والتابعونَ كسَعِيدٍ: يَعلَمُونَ هَدْيَ النبيِّ وسُنَّتَهُ في هذا، وأنَّه لم يُحرِمْ من بيتِه؛ وإنَّما مِن مِيقَاتِهِ، وهو قريبٌ مِن المدينةِ، مع أنَّ الأسمَحَ له أنْ يتهيَّأَ مِن بَيْتِه، ويَغتسِلَ ويصلِّيَ، ثمَّ يشُدَّ رَحْلَهُ مَرَّةً واحِدةً إلى مكَّةَ، ولكنَّهُ قصَدَ الميقاتَ بالإحرامِ؛ لتأكيدِ اللهِ عليه.
الإحرامُ قبلَ الميقاتِ:
وأمَّا صِحَّةُ الإحرامِ مِن قَبْلِ المِيقَاتِ، فصحيحٌ عند عامَّةِ الفقهاءِ؛ أحرَمَ عِمْرانُ مِن مِصْرَ، وقد أنكَرَ عليه عُمَرُ.
وأحرَمَ ابنُ عُمَرَ مِن بيتِ المَقْدِسِ.
وقد أحرَمَ جماعةٌ مِن بيوتِهم؛ كالأَسْوَدِ وعَلْقَمةَ وعبدِ الرحمنِ وأبي إسحاقَ.
وأحرَمَ وكيعٌ مِن بيتِ المقدِسِ.
وإنَّما قُلْنا فيما سبَقَ: إنَّ الآيةَ نزَلَتْ قبلَ فرْضِ الحَجِّ بصِيغَةِ الأمرِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ﴾؛ لنبيِّنَ أنَّ الإلزامَ بالإتمامِ لا يَنزِلُ على أصلِ التشريعِ، وهو الحَجُّ؛ وإنَّما على مَن بدَأَهُ أن يَقطَعَهُ، ولنبيِّنَ أنَّ الحجَّ إذا لم يَكُنْ واجبًا حِينَها، فمِن بابِ أَولى أنَّ إنشاءَ القصدِ مِن البيوتِ للحجِّ والعُمْرةِ ليس بواجبٍ، فلو سافَرَ لمصلَحَةِ دُنياهُ وأَتْبَعَها بمصلحةِ دِيِنِهِ، صحَّ؛ كالتاجرِ، وأجزَأَ عنه.
ثمَّ إنَّ المواقيتَ المكانيَّةَ لم تكُنْ حُدِّدَتْ عندَ نزولِ آيةِ الإتمامِ؛ وهذا دليلٌ على أنَّ المقصودَ الإتمامُ، لا سَبْقُ الميقاتِ بالإحرامِ؛ وإنَّما عَقْدُ العزمِ وإنشاءُ السَّفرِ لأجلِ هذا العملِ أعظمُ أجرًا، وأتمُّ ثوابًا، وأكبرُ بَرَكةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute