كان القصاصُ في بني إسرائيلَ، وظاهرُ الآية: أنَّ شرعَ مَن قَبْلَنا شرعٌ لنا ما لم يَثبُتْ خلافُهُ في شرعِنا؛ وبهذا يقولُ جمهورُ العلماء، وذلك ظاهرٌ في قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤]، فجعَلَ الله الحقَّ الذي فيها حُكْمًا إنْ دَلَّتْ على صِحَّتِهِ الشريعةُ، وأمَّا الأخذُ منها مباشرةً، فمنهيٌّ عنه؛ لأنَّه لا يُعلَمُ ما بُدِّلَ ممَّا لم يُبَدَّلْ.
عمومُ آيةِ القصاص، وحُكْمُ شرعِ مَنْ قَبلَنَا:
وقد أخَذَ الصحابةُ بهذه الآيةِ وما بعدَها، مع كونِها في اليهودِ؛ لأنَّ الحكمَ مِن اللهِ واحدٌ، فأَثْبَتَهُ اللهُ في اليهود، فيَثبُتُ في هذه الأُمَّةِ ما لم يَثبُتْ خلافُه، وقد أمَرَ اللهُ نبيَّهُ أنْ يَقتدِيَ بالأنبياءِ من قبلِه، فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، وأمَرَهُ أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّةَ إبراهيمَ: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)﴾ [النحل: ١٢٣]، وإنْ كانتِ المِلَّةُ التوحيدَ، وهو المُشتَرَكُ بينَ الأنبياء، فإنَّ الاقتداءَ بما بَلَغَ النبيَّ ﷺ من الاهتداءِ في الأنبياءِ السابقِينَ دليلٌ على العموم؛ ويدلُّ على ذلك ما رواهُ البخاريُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ: "أنه سجَدَ في آيةِ سجدةٍ؛ فسأَلهُ مجاهدٌ عن ذلك؟ فقال: أوَمَا تَقْرَأَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام: ٨٤]، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: