للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}: مَحِلُّ الهديِ الحرَمُ كلُّه، وأفضلُهُ مِنًى.

والمُحصَرُ له أجرُ النُّسُكِ تامًّا، لكنَّه يجبُ عليه الحَجُّ مرَّةً أخرى؛ إذا كان لم يُؤَدِّ حَجَّةَ الإسلامِ.

حجُّ المحصَرِ من قابلٍ:

واختُلِفَ في المُحصَرِ: هل يجبُ عليه الحجُّ مِن قابلٍ أمْ لا؟ على قولَيْنِ للعلماءِ, والأظهرُ: أنَّه لا يجبُ عليه ذلك إلَّا إذا كان لم يُؤَدِّ حَجَّةَ الإسلامِ؛ لأنَّ الحجَّ على الفورِ على الصحيحِ، ولم يثبُتْ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طلَبَ ممَّن كان معه في الحديبيةِ جميعًا أن يَحُجُّوا مِن قابلٍ؛ وهذا ظاهرُ قولِ ابنِ عبَّاسٍ؛ فإنَّه لم يجعَلِ الرجوعَ مِن قابِلٍ واجبًا إلَّا على مَن أفسَدَ حَجَّهُ بالتلذُّذِ، وهو الجِمَاعُ.

فقد روى البخاريُّ معلَّقًا، وابنُ راهَوَيْهِ موصولًا، عن مجاهِدٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -؛ قال: "إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذلك، فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَلَا يَرْجِعُ" (١).

ورواهُ ابنُ جريرٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، بنحوِه (٢).

وقال به الشافعيُّ وغيرُه.

وقد روى الواقديُّ في "المَغَازي"، عنِ الزُّهْريِّ وأبي مَعشَرٍ مُرسَلًا: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ أصحابَهُ أنْ يَعتَمِروا، وألَّا يتخلَّفَ أحدٌ ممَّن شَهِدَ الحديبيةَ، فلم يتخلَّف مِنهم إلَّا مَن قُتِلَ بخَيْبَر أو ماتَ، وخرَجَ معه جماعةٌ مُعتمِرِينَ ممَّن لم يَشْهَدِ الحُدَيْبِيَةَ، وكانت عِدَّتُهم أَلْفَيْنِ" (٣).


(١) "صحيح البخاري" (٣/ ٩)
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٦٦).
(٣) "مغازي الواقدي" (٢/ ٧٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>