وإنَّما ذكَرَ دعاءَ الولدِ ولم يذكُرْ صَدَقةَ الولدِ مع قَبُولِها منه؛ إشارةً إلى أنَّ الأَولى أنْ يُقدِّمَ لنفسِهِ صدقةً جاريةً؛ فنفوسُ الناسِ حتى الأولادِ مجبولةٌ على الشُّحّ، فيَبخَلُ الولدُ بالنفقةِ على والدِهِ ولو كان يُحِبُّهُ، ولكنَّه لا يَبخَلُ بالدُّعَاءِ؛ لأنَّه لا يَنقُصُهُ شيئًا، فذكَرَ الصدقةَ الجاريةَ وأطلَقَها؛ إشارةً إلى أنَّ الميِّتَ ينبعي أنْ يُقدِّمَ لنفسِه، ولا ينتظِرَ غيرَه.
إهداءُ الثوابِ:
واختُلفَ في أكثرِ الأعمالِ كالذِّكْرِ والصلاةِ وقراءةِ القرآنِ والصومِ: هل يَصِحُّ إهداؤْها أو لا؟ على خلافٍ عندَ العلماءِ:
وقد ذهَبَ أبو حنيفةَ وأحمدُ: إلى جوازِ إهداءِ ثوابِ جميعِ الأعمال، وإلى هذا ذهَب جماعةٌ مِن الشافعيَّة، واستثنى الحنفيَّةُ الصيامَ: فيَرَوْنَ الإطعامَ عن الميِّت، لا الصيامَ عنه.
وذهَب مالكٌ والشافعيُّ: إلى أنه لا يَصِلُ إلى الميِّتِ إلَّا ما دَلَّ عليه الدليلُ؛ وهذا الأشبَهُ والأقرَبُ؛ لأنَّ الصحابةَ يُكثِرُونَ مِن السؤالِ عن بعضِ الأعمالِ ووصولِها إلى الميِّتِ وانتفاعِهِ بها؛ ممَّا يدُلُّ على إدراكِهِمْ أنَّ الأصلَ عدمُ وصولِها، ولو كان الأصل الوصولَ، لجاز عمَلُ الحيِّ للميِّتِ كما يَعمَلُ الحيُّ لنفسِه، وجاء الحثُّ عامًّا لا خاصًّا بصدقةٍ وحجٍّ ونحوِهما.
وقد كان الصحابةُ والتابِعونَ أحرَصَ الناسِ على عملِ البِرِّ لغيرِهم، ولم يَرِدْ عنهم أداءُ الصلواتِ وقراءةُ القرآنِ وإهداءُ الثوابِ لغيرِهم، ومع حبِّ بعضِهم بعضًا وحبِّهم مَن سلَفَ منهم، فلم يَثبُتْ عن واحدٍ منهم ذلك، ومع حِرْصِهم على الاستزادةِ فكانوا يُوصُونَ بأشياءَ كثيرةٍ، ولم يثبُتْ أنَّ واحدًا منهم أَوْصى بالصلاةِ عنه، وقراءةِ القرآنِ عنه، والتسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ وإهداءِ ثوابِ ذلك إليه، وقد