للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأميرَ والعالِمَ يَبْلُغُ خِطابُهُ ما لا يَبلُغُهُ غيرُهُ مِن العامَّة، وكلَّما عَلا الرَّجُلُ مَنْزِلةً في الناس، كان خِطابُهُ في جهادِ النِّفاق والكفرِ أَوْجَبَ.

صُوَرُ جهادِ المُنافِقينَ:

ولجهادِ المنافِقينَ صُوَرٌ قامَ بها النبيُّ وأصحابُهُ، ومِن هذه الصُّوَرِ:

الصورةُ الأُولى: دَفعُهم عن مَوضِعِ العُلُوِّ والجاهِ في الناس، وعَزْلُهم عن مَنابِرِ الخَطَابةِ والإعلامِ والتصدُّر، وعدمُ اتِّخاذِهم بِطَانةً، وقد كان لعَبْدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ مَوضِعٌ يَخطُبُ فيه في مَسجِدِ النبيِّ ، ولمَّا رجَعَ بالناسِ بعدَ أُحُدٍ، وخالَفَ أَمْرَ رسولِ اللهِ ، مُنِعَ مِن الخَطَابةِ في الناسِ؛ حتَّى لا تَقْوَى شوكتُهُ، وَيشُقَّ صَفَّ الناسِ بها.

ومِن ذلك: عدَمُ اتِّخاذِهم مَوضِعَ شورى ووِلَايةِ وإِمَارةٍ.

الصورةُ الثانيةُ: التحذيرُ مِن أفعالِهم وأقوالِهم؛ بذِكْرِها وتِلَاوةِ الآياتِ الواردةِ فيهم، ورَبْطِها بما يَبْدُو مِن أفعالِهم؛ كما كان النبيُّ يتلو آياتِهم على المَلَأِ ليَسْمَعوها فيحْذَرُوهم؛ فقد كان يَقرَأُ سورةَ (المنافِقونَ) يومَ الجُمُعة، فيَسْمَعُها الناسُ، وَيسمَعُ المنافِقونَ أوصافَهم؛ فَيهابُونَ ويَخافونَ، ويدْفَعُ شرُّهم.

الصورةُ الثالثةُ: التغليظُ عليهم بالقولِ عندَ ظهورِ ما يُستنكَرُ منهم، وعدَمُ اللِّينِ والرِّفْقِ بهم، ما لم تَدْعُ الحاجةُ إلى ذلك؛ تأليفًا ودفعًا لشَرِّهم؛ وهذا ظاهرُ قولِهِ تعالى: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾؛ يَعني: بالقَوْلِ؛ ولهذا فَسَّرَ جماعةٌ مِن الصَّحَابةِ جِهَادَهم في الآية باللِّسَانِ؛ كما قال ابنُ عبَّاسٍ: "جهادُ الكفارِ بالسَّيْف، وجِهادُ المنافِقينَ باللِّسانِ" (١).


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٥٦٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>