ذكَرَ اللهُ في هذه الآيةِ ما حَلَّ بعدَما ذكَرَ ما حَرُمَ على الأمَّةِ؛ لبيانِ مِنَّتِه وفضلِه، وحتى لا تتوهَّمَ النفوسُ أن في تَعْدادِ المحرَّماتِ تكثيرًا لها؛ فالله جعَلَ الأصلَ في المأكولاتِ الحِلَّ، والأصلُ لا يُعَدُّ لكثرتِه، ومَن انشغَلَ بِعَدِّ المحظوراتِ على نفسِه، استكثَرَها حتى ظنَّ التضييقَ والتشديدَ، فاللهُ يذكُرُ المحرَّمَ، ثَمَّ يُعْقِبُهُ بالمباحِ؛ كما هنا، وعكسُ ذلك يذكُرُ المباحَ، ثم يُعقِبُهُ بالمُحرَّمِ؛ كما في سورة البقرةِ؛ قال: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ٥٧]، ثم قال: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ [البقرة: ١٧٣]، ومثلُها في سورةِ الأنعامِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَو دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥]، ومِثلُها في سورةِ النحلِ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ الآية [١١٤ - ١١٥].
واللهُ إذا حرَّمَ شيئًا، قرَنَهُ بحِلِّ غيرِهِ تصريحًا أو إشارةً، ولكنه لا يَقرِنُ في كلِّ موضعٍ الحرامَ بالحلالِ عندَ ذِكرِ نعمةِ الحلالِ؛ لأن الحلال هو الأصلُ، فالإكثارُ مِن ذِكرِ الحلالِ ونعمةِ اللهِ فيه مقصودٌ