للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمةُ من تحريمِ الغنائمِ على السابقين:

وإنَّما كانتِ الغنائمُ محرَّمةً على السابقينَ؛ لِحِكَمٍ؛ منها الابتلاءُ والاختبارُ، والرَّحْمةُ بهم؛ دفعًا لطمعِ النفسِ مِن أنْ تسوِّلَ لأهلِها قتالًا في ظاهرِهِ أنَّه للهِ، وفي باطنِه للغنيمةِ، وظاهرُهُ حرمانُ دُنْيَا، ولكنْ حرَّمَهُ اللهُ ليُحفَظَ دِينُ العبدِ، وتُؤمَنَ له العاقبةُ؛ وذلك أنَّ إيمانَ أتباعِ الأنبياءِ السابقينَ يختلِفُ عن إيمانِ أتباعِ أُمَّةِ محمدٍ ، وكما فُضِّلَ نبيُّ الأمَّةِ عَلَى الأنبياءِ، فأُمَّتُهُ مفضَّلةٌ على أتباعِ الأنبياءِ، ولا خلافَ في فضلِ صحابةِ النبيِّ على صحابةِ الأنبياءِ السابقين؛ وهذا على سبيلِ الإجمالِ، لا كلُّ صحابيٍّ مِن أُمَّتِهِ يفضَّلُ عَلَى كلِّ صحابيٍّ مِن صحابةِ جميعِ الأنبياءِ، ولكنَّ الفضلَ لجمهورِهِمْ ولآحادِ أفرادِهِمْ خصوصًا كأبي بكرٍ وعمرَ، واللهُ أعلمُ.

ولذا جاء الدليلُ: أنَّ الغنائمَ تُنقِصُ أجرَ المقاتِلِ في سبيلِ اللهِ بمقدارِ تعلُّقِه بها؛ كما ثبَتَ في"صحيحِ مسلمٍ" عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيُصِيبُونَ الغَنِيمَةَ، إِلَّا تعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَةِ، وَيَبْقى لَهُمْ الثُّلُث، وَإِنْ لم يُصِيبُوا غَنِيمَةً، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) (١)؛ وهذا غالِبٌ لا مُطَّرِدٌ بمقدارِ تعلُّقِ القلبِ بالغنيمةِ، وهذا في الناسِ كثيرٌ، وربَّما لا يكادُ يَسْلَمُ منه إلا القليلُ، فالغنائمُ مالٌ وسَبْيُ نساءٍ، وثَمَرٌ ولِبَاسٌ، وهذا لا بدَّ أن يَعْلَقَ مِن القلبِ منه عالِقةٌ ولو قليلًا، وبمقدارِ ما عَلِقَ ينقُصُ مِن أجرِ الآخِرةِ، ولكنْ لا يأثَمُ به صاحِبُهُ ما دام قاصدًا إعلاءَ كَلِمةِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ ما أحَلَّ الغنيمةَ وهم يأثَمُونَ بها.

ولمَّا كانت منزِلةُ أصحابِ الأنبياءِ أَقَلَّ مِن منزلةِ أصحابِ نبيِّنا


(١) أخرجه مسلم (١٩٠٦) (٣/ ١٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>