للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبارِ الغيبِ؛ كالأرواحِ والجِنِّ والملائكةِ، وعُمَّارِ السماءِ، وصفةِ السمواتِ وسُمْكِها، وغيرِ ذلك.

وقولُه تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}: الكتابُ إذا أُطلِقَ في القرآنِ والسُّنَّةِ مجرَّدًا مِن غيرِ عطفٍ يدخُلُ فيه السُّنَّةُ؛ لأنَّها وحيٌ، ولحديثِ زيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيِّ وأبي هُريْرَةَ لمَّا أرادَ أن يَقْضِيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الزِّنى، قال: (لأَقضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ) (١)، فقضَى بحُكْمِه، ومنه التغرِيبُ، وليس التغريبُ في المَتلُوِّ مِن القرآنِ؛ وإنَّما هو مِن السَّنَّةِ.

معنى المُحْكَمِ والمتشابِهِ في القرآنِ:

وللإحكامِ والتشابُهِ في القرآنِ مَعَانٍ متغايرةٌ مِن بعضِ الوُجُوهِ؛ فقد وصَفَ اللهُ القرآنَ كلَّه بالإحكامِ، ووصَفَه كلَّه بالمتشابهِ، وقسَّمَهُ إلى مُحكَمٍ ومتشابهٍ كما في آيةِ آلِ عِمرانَ هذه، فلمَّا وصَفَ اللهُ كتابَه كلَّه بالإحكامِ، قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: ١]، ولمَّا وصَفَهُ كلَّه بالمتشابهِ، قال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣]، والتشابُهُ في هذه الآيةِ هو في معنى الإحكامِ؛ لأنَّ المرادَ بالمتشابهِ هنا هو مشابهةُ أَحْكَامِ القرآنِ بعضِها بعضًا، فلا يُناقِضُ موضعٌ موضعًا آخَرَ، وهذا نفيٌ للتعارُضِ والتناقُضِ والاختلافِ فيه الحاصلِ في قولِ البشرِ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].

فقولُه: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: ٢٣]؛ أيْ: يُشْبِهُ بعضُه بعضًا، ويُصَدِّقُ بعضُه بعضًا، ويدُلُّ بعضُه على بعضِ؛ قاله سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ وقتادةُ والسُّدِّيُّ وغيرُهم (٢).


(١) أخرجه البخاري (٢٦٩٥) (٣/ ١٨٤)، ومسلم (١٦٩٧) (٣/ ١٣٢٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٠/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>