للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلامُ على المرأةِ:

ويُسلِّمُ على النِّساءِ والمرأةِ الواحدةِ عندَ انتِفاءِ التُّهَمَةِ والشُّبْهةِ والفِتْنةِ، وكَرِهَ بعضُ الفُقَهاءِ السلامَ على الشابَّةِ؛ وهذا قولٌ لبعضِ السلفِ؛ كقتادةَ وعطاءٍ ومالكٍ، ومذهبُ الشافعيِّ.

ويُستثنَى مِن ذلك المَحَارِمِ في بذلِ التحيَّةِ وردِّها؛ فهي باقيةٌ على الأصلِ، وغيرُ المَحَارِمِ يتعلَّقُ الحُكْمُ فيهم بأمنِ الفتنةِ شابَّةً أو غيرَ شابَّةٍ، بحسَبِ الحالِ والزمانِ والمكانِ.

ويُسقِطُ وجوبَ ردِّ كلِّ تحيَّةٍ التحيَّةُ بالسلامِ؛ لأنَّه أفضَلُ مِن كلِّ تحيَّةٍ على ما تقدَّمَ، وما دونَ السلامِ كالترحيبِ ونحوِهِ لا يُسقِطُ التكليفَ بِرَدِّ السلام، ويُجزِئُ منه قولُ: "وعليكم السلامُ"؛ وذلك لقولِه تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾، ويُجزِئُ ردُّ السلامِ بقولِهِ: "وعليك ورحمةُ اللهِ"؛ وبهذا رَدَّ النبيُّ على أبي ذَرٍّ؛ كما في "صحيحِ مسلمٍ" (١).

وحَمَلَ بعضُ السلفِ قولَهُ تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ على ردِّ كلِّ معروفٍ قوليٍّ أو عمليٍّ، وجعَلَهُ في حُكْمِ المكافأةِ على المعروفِ؛ كما في حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، فَكَافِئُوهُ) (٢)، وهذا التأويلُ قال به ابنُ عُيَيْنَةَ؛ كما رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ: قال سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ في قولِه: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾: "تَرَوْنَ هذا في السلامِ وحدَهُ؟ هذا في كلِّ شيءٍ؛ مَن أحسَنَ إليك، فأحسِنْ إليه وكافِئْهُ، فإنْ لم تَجِدْ، فادعُ له وأَثْنِ عليه عندَ إخوانِه" (٣).

الحكمةُ مِن مشروعيَّةِ التحيَّة:

وقد شرَعَ اللهُ التحيَّةَ لجملةٍ مِن الحِكَمِ والغاياتِ، ومنها: الأمانُ


(١) أخرجه مسلم (٢٤٧٣) (٤/ ١٩١٩).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>