للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعمالِ وأيسَرُ في التعليمِ وأطوَعُ لصاحِبِه؛ ولذا كثُر ذِكرُهُ في الوحيِ عندَ ذِكرِ الصيدِ.

الرابعُ: أنَّ الصيدَ بالصَّقرِ والبَازِي معروفٌ عندَ العربِ في الجاهليَّةِ والإسلامِ، ولم يَرِدْ نهيٌ عنه، ولا إخراجُهُ مِن عمومِ الآيةِ في كلامِ الصحابةِ ولا عامَّةِ التابعِينَ.

الخامسُ؛ قد فسَّرَ ابنُ عبَّاسٍ قولَهُ تعالى: {مُكَلِّبِينَ} بالكَلَبِ، مشتقٌّ مِن الشِّدَّة، لا مِن اسمِ الكَلْبِ، ومرادُهُ منه: مُغْرِينَ للجوارحِ على الصيدِ؛ ولأن إغراءَ الجارحِ وإرسالَهُ للصيدِ علامةٌ على تعليمِه.

صيدُ الجارحِ غيرِ المُعَلَّم:

ويتَّفِق العلماءُ على عدمِ جوازِ صيدِ غيرِ المعلَّمِ مِن الجوارحِ؛ لظاهرِ الآيةِ؛ فتقييدُ الآيةِ وتخصيصها مقصودٌ، ولأنَّه يَصِيدُ لنفسِهِ، لا يصيدُ لغيرِه، ويُستثنى مِن ذلك إن أدرَكَ ذَكاتَهُ فذبَحَهُ؛ لما تقدَّمَ في الآيةِ بقولِهِ: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] بعدَما قال: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: ٣].

والسَّبُعُ إنْ صاد صيدًا وهو غيرُ معلَّمٍ، أخَذَ حُكمَ سائرِ الآلاتِ التي تُمِيتُ بلا قصدٍ ولا اختيارٍ، وقد حرَّمَ اللهُ الصيدَ الذي لم يَتيقَّنِ الرجلُ أنَّ كَلْبَه صادَه أو غيرَه، ففي "الصحيحَينِ"، مِن حديث عديٍّ؛ أنه سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: فَإنْ وَجَدتُّ مَعَ كَلبِي كَلبًا آخَرَ، فَلَا أدْرِي أيُّهُمَا أخَذَهُ؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فَلَا تَأكُلْ؛ فإنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيرِهِ) (١).

وقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}:

سُمِّيَتْ جوارحَ، والجَرْحُ: هو الكَسْبُ، والعرب تقولُ: لا جارحَ


(١) أخرجه البخاري (٢٠٥٤) (٣/ ٥٤)، ومسلم (١٩٢٩) (٣/ ١٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>