للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمُ الوَكَالَةِ والنيابةِ في الخصومةِ:

وفي قوله تعالى: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}، والآيةِ التي بَعدَها: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} دليلٌ على جوازِ الوَكَالةِ؛ بدليلِ الخِطَاب؛ فاللهُ نهى عن المخاصَمةِ نيابةً عن الخائنِ؛ وهذا يدلُّ على جوازِها عن صاحب الحقِّ والمظلوم، ويدلُّ على هذا الآية التاليةُ في قولِه تعالى: {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: ١٠٩]؛ يَعني: كنتُم وُكلَاءَ عنهم في الدُّنيا بالباطل، ولن تكونوا كذلك في الآخِرة، وهذا يتضمِّنُ صحَّةَ الوَكالةِ في الخصومةِ وغيرِها في الدُّنيا في الحقوق، والوَكَالةُ هي: النِّيابةُ عن أحدٍ في أمرِهِ بإِذْنِه.

والوَكَالةُ لا خلافَ في صِحَّتِها، وقد ذكَرَها اللهُ في مواضعَ كقِصَّةِ أصحابِ الكَهْفِ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩]، وقد توكَّلَ عنهم جميعًا بالبيعِ والشِّراءِ.

وفي ذلك: صحَّةُ وكالهِ الواحدِ عن الجماعة، وكذلك تصحُّ الوكالةُ في مصالحِ المُسلِمينَ؛ كما في عَمَالةِ جابي الزَّكاةِ ومُقسِّمِها؛ كما في قولِه تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠].

وقد احتجَّ الشافعيُّ للوكالةِ بآيةِ الحكَمَين، وبما جاء عن عليٍّ في بَعْثِهِ الحكَمَيْن في الشِّقاقِ بينَ الزوجَيْنِ.

وقد جاء في السُّنَّةِ الصحيحةِ ذلك كثيرًا؛ مِن ذلك ما في حديثِ جابر؛ أنَّه أراد الخروجَ إلى خَيْبَرَ، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ)؛ رواهُ أبو داودَ (١).


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٣٢) (٣/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>