للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاهليَّةِ، فالنبيُّ كان قد حَجَّ قبلَ هِجْرَتِه، ويَعرِفُ ما بدَّلَهُ المشرِكُونَ مِن أعمالِ الحَجِّ ممَّا بَقِيَ مِن شريعةِ الحنيفيَّةِ؛ كما في حديثِ جُبَيْرِ بنِ مُطعِمٍ؛ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ مِنَ الحُمْسُ، فَمَا شأْنُهُ هَا هُنا؟ ! (١)

معنى إتمامِ الحجِّ والعمرةِ:

والمرادُ بالإتمامِ في الآيةِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ ضِدُّ الإنقاصِ؛ أي: ائتُوا بها كما شرَعَها اللهُ؛ كقولِه: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧]؛ أيْ: لا يتَخلَّلُها شيءٌ مِن النقصِ، بل يَنْبَغِي الإتمامُ.

وقد تُحمَلُ الآيةُ على جميعِ معاني الإتمامِ ووجوهِه؛ لعمومِ مقاصدِ القرآنِ وغائيَّتِه؛ وهذا ما يَظهَرُ مِن تفسيرِ السلفِ للإتمامِ، وأوَّلُ معاني الإتمامِ وأَوْلَاها: هو صِدْقُ النِّيَّةِ وإخلاصُها مِن الشَّوْبِ؛ ولذا قال بعدَ الأمرِ بالإتمامِ: ﴿لِلَّهِ﴾؛ أيْ: لا لِغيْرِه.

وقد روى ابنُ جريرٍ، عن إبراهيمَ، عن عَلْقَمةَ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾؛ قال: هو في قراءةِ عبدِ اللهِ: (وَأَقِيمُوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ إِلى الْبَيْتِ)، قال: "لا تُجاوِزُوا بالعُمْرةِ البيتَ"؛ قال إبراهيمُ: "فذكَرْتُ ذلك لسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، فقال: كذلك قال ابنُ عبَّاسٍ" (٢).

والمعنى: أنْ يحُجَّ ويعتَمِرَ قاصدًا للنُّسُكِ إلى مكَّةَ لا إلى غيرِها، وللهِ لا لغيرِه، ولا يَسُوغُ فيها نقصانُ العملِ، ولا نقصانُ القَصْدِ والنِّيَّةِ، وكلُّ ما أُمِرَ الإنسانُ بفِعلِهِ في النُّسُكِ، فالإتيانُ به مِن تمامِهِ؛ ولذا قال مجاهِدٌ في قولِه: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾؛ قال: "ما أُمِرُوا فيهما" (٣).

وروى ابنُ جريرٍ، عن عليِّ ينِ أبي طَلْحةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ: ﴿وَأَتِمُّوا


(١) أخرجه البخاري (١٦٦٤) (٢/ ١٦٢)، ومسلم (١٢٢٠) (٢/ ٨٩٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٢٨).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>