للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتأجيلَ، ولكنَّه لا يقبلُ الإلغاءَ، والبراءُ لا يقبل التأجيلَ فضلًا عن الإلغاءِ.

التفريقُ بين الخصوم، وعدَمُ جَعلِهم في مرتبةٍ واحدةٍ:

وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في عَهدَيهِ بمكةَ والمدينةِ يُفرِّقُ بينَ خصومِهِ ولو اجتمعوا في المِلَّةِ؛ ففي مكَّة فَرَّقَ بينَ كافرٍ مناصرٍ كأبي طالبٍ، وبين كافرٍ مُعَادٍ كأبي جهلٍ وأبي لهبٍ وصَفْوَان وأبَيِّ بن خَلَفٍ وغيرِهم، فتبرأ مِن عقيدةِ الجميع، ولم يَستعدِ أبا طالبٍ لنُصرَتِه.

وعندَما هاجَرَ إلى المدينةِ كَثرَ أعداؤُهُ، وكَثرَ أصحابهُ، والأعداءُ يُفرِّقُ بينَهم بحسَبِ بعدِهم وقُربِهم، وشدةِ عداوتهم وخِفَّتها؛ فباعتبارِ القُربِ والبُعدِ: فالقريبُ: كاليهودِ والمُنَافِقِينَ، والبعيدُ: كالمشرِكِينَ بمكةَ، ثم النصَارَى في الشامِ وطَيِّئِ ونَجْرَانَ وغيرِها، والمَجُوسِ في فارسَ وما وراءَها.

وباعتبار شِدَّةِ العداوةِ وخِفَّتِها: فأشدهم عداوةً اليهودُ والمشركون؛ كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: ٨٢]، والمشركونَ أبعَدُ مِن اليهود، وأقرَبهم مودَّةً الذين قالوا: إنّا نصارى.

والنصَارَى بعيدون.

الفرقُ بين عقيدةِ البَرَاء وسياسةِ الاستعداءِ:

وسياسةُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا يستعدِيَ جميع خصومِه، وإنْ تبرَّأ مِن دِينِهم كلِّه، وفرقٌ بينَ البَرَاءِ والاستعداءِ؛ وذلك أن البراءَ مِن الدِّينِ لا يُورِثُ صاحِبَهُ خوفًا مِن العزم على مقاتلَتِه؛ فالبراءُ لا يَلْزَمُ معه المُقاتَلةُ، وأمَّا الاستعداءُ: فيُورِثُ خوفًا وترقُّبًا مِن تَبْييتهِ ومُقاتَلَته، فيُعِدُّ العُدَّةَ، ويتحالَفُ مع جميعِ الخصومِ على أهلِ الحقِّ، ومَن تأمَّلَ حالَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في

<<  <  ج: ص:  >  >>