للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال إبراهيم النخَعي: "إذا حلَفَ الرجلُ على اليمين وهو يرَى أنَّه صادقٌ، وهو كاذبٌ، فلا يؤاخَذُ بها" (١).

حكمُ الحاكمِ وإسقاطُ الحقِّ:

وفي الآيةِ: دليلٌ على أن حُكمَ الحاكمِ لا يُسقِطُ الحقَّ الباطنَ؛ وإنما يجري هذا على الخلافِ الظاهرِ، فيَحكُمُ على نحوِ ما يَسمَعُ وَيرَى ممَّا ظهَرَ له مِن الأدلةِ، وهذا لا خلافَ فيه في الأموالِ والدماءِ؛ وإنما الخلافُ في النكاحِ، وتقدمَ ذلك في سورةِ البقرةِ عندَ قولِه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)} [البقرة: ١٨٨].

استحلافُ الكافِرِ:

واستحلافُ الكافر كاستحلافِ المسلم عندَ عدمِ وجودِ البينة عليه في الحقوق، فإنْ نَكَلَ، وَجَبَ عليه الحقُّ، وإن حَلَفَ، سَقطَ الحقُّ عنه، لظاهرِ حديثِ الأشعثِ وخصومتِه مع اليهوديِّ، في قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - للأشعثِ؟ (أَلكَ بَيِّنَةٌ؟ )، قلتُ: لا، قال؛ فقال لليهوديِّ: (احلِف) (٢).

وتُطلَبُ اليمينُ مِن الكافرِ بصيغةٍ جائزةٍ لا مُحرَّمةٍ، فلا يُستحلَفُ بلفظِ كفرٍ؛ كقولِ النصرانيِّ: والمسيحِ، أو يُقسِمُ بالصليبِ أو مخلوقٍ، ولا أن يُقسِمَ المشرِكُ بصنمِه ووَثنَه، ولا الجاهليُّ بأبيهِ وأمِّه؛ وإنما يُستحلَفُ بالخالقِ, كقولِه: واللهِ، أو بما يُؤمِنُ به مِن ألفاظٍ تُوافِقُ الحقَّ في الظاهرِ ولو اعتقَدَها بباطنِهِ على غيرِ ذلك، وفي "الصحيح"؛ من حديثِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ليهوديٍّ: (أنشدكَ باللهِ الذي أنزَلَ التَّوْرَاةَ علَى مُوسَى، أهَكذا تَجِدُونَ حَدَّ الزاني في كِتابِكم؟ ) (٣).


(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٥)
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه مسلم (١٧٠٠) (٣/ ١٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>