للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه: أنَّ قِسمةَ الميراثِ تكونُ بعدَ الوصيَّة، وهذا فيه منزلةُ الوصيَّةِ في الدِّين، وعِظَمُ أثرِها على صاحِبِها ومن وراءَه.

وقوله: {أَوْ دَيْنٍ} دليلٌ على تقدُّمِ قضاءِ الدَّينِ قبلَ قِسْمةِ الميراثِ؛ لأنَّ الدَّيْنَ في ذمَّةِ الميِّتِ، والدَّيْنَ وجَبَ في مالِهِ قبلَ موتِه.

والدَّيْنُ والوصيَّةُ لا يَمنعانِ الإرثَ واستحقاقَ الورثةِ لحقِّهم؛ وإنَّما يَمنعانِ قِسْمةَ الميراثِ.

والدَّينُ مُقدَّمٌ على الوصيَّةِ؛ لأنَّه حَقُّ الآدميِّينَ، وأمَّا الوصيَّةُ، فليستْ حقًّا لأحدٍ؛ وإنَّما حقٌّ أَوْجَبَهُ الميِّتُ في مالِه، والدَّينُ يُؤخَذُ مِن رأسِ المال، وأمَّا الوصيَّةُ، فتُؤخَذُ مِن الثلُثِ بلا خلافٍ عندَ السلفِ.

مؤنةُ تجهيزِ الميِّت مِن مالِهِ:

وتكونُ مُؤْنَةُ تجهيزِ الميِّتِ وغُسْلِهِ وتكفينِهِ وحَمْلِهِ ودَفْنِهِ مِن مالِه؛ لأنَّه مِن حملةِ النفقةِ عليه، فإذا مات غريقًا أو مفقودًا في بَرِّيَّةٍ ومَفَازَةٍ مُهْلِكَةٍ أو وقَعَ في بئرٍ، فمؤنةُ إخراجِهِ وحَمْلِهِ وما تَبِعَ ذلك، مِن مالِه؛ وهذا أحَقُّ مِن الدَّيْنِ والوصيَّةِ.

وهذه المؤنةُ مِن رأسِ مالِه، موسرًا كان أو فقيرًا، في قولِ جمهورِ العلماء، خلافًا للزُّهْريِّ؛ فقد جعَلَ المؤنةَ في ثلُثِ مالِه إذا كان فقيرًا.

وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُ بتكفينِ الميِّت، ودَفَنَ، وكفَّنَ المُحْرِمَ الذي وَقَصَتْهُ ناقتُه بثوبَيْه، وكفَّنَ مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ في نَمِرَةٍ ليس عليه غيرُها، ولم يَسْأَلْ هو وأصحابُهُ عن حالِه وما بَقِيَ مِن مالِه.

وفي قولِه: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} دليلٌ على أنَّ التَّرِكَةَ تُقسَّمُ على ما فرَضَ اللهُ، لا على ما يرَاهُ الورثةُ مِن نفعِ بعضِهم للميِّتِ؛ فاللهُ أعلَمُ بمَن هو أقرَبُ إليه، فيُغيِّرُ مَن شاء مِن حالٍ إلى حالٍ؛ مِن صلاحٍ إلى فسادٍ، ومِن فسادٍ إلى صلاحٍ، ويُثَبِّتُ مَن شاء مِن عِبادِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>