وتكونُ مُؤْنَةُ تجهيزِ الميِّتِ وغُسْلِهِ وتكفينِهِ وحَمْلِهِ ودَفْنِهِ مِن مالِه؛ لأنَّه مِن حملةِ النفقةِ عليه، فإذا مات غريقًا أو مفقودًا في بَرِّيَّةٍ ومَفَازَةٍ مُهْلِكَةٍ أو وقَعَ في بئرٍ، فمؤنةُ إخراجِهِ وحَمْلِهِ وما تَبِعَ ذلك، مِن مالِه؛ وهذا أحَقُّ مِن الدَّيْنِ والوصيَّةِ.
وهذه المؤنةُ مِن رأسِ مالِه، موسرًا كان أو فقيرًا، في قولِ جمهورِ العلماء، خلافًا للزُّهْريِّ؛ فقد جعَلَ المؤنةَ في ثلُثِ مالِه إذا كان فقيرًا.
وقد كان النبيُّ ﷺ يأمُرُ بتكفينِ الميِّت، ودَفَنَ، وكفَّنَ المُحْرِمَ الذي وَقَصَتْهُ ناقتُه بثوبَيْه، وكفَّنَ مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ في نَمِرَةٍ ليس عليه غيرُها، ولم يَسْأَلْ هو وأصحابُهُ عن حالِه وما بَقِيَ مِن مالِه.
وفي قولِه: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ دليلٌ على أنَّ التَّرِكَةَ تُقسَّمُ على ما فرَضَ اللهُ، لا على ما يرَاهُ الورثةُ مِن نفعِ بعضِهم للميِّتِ؛ فاللهُ أعلَمُ بمَن هو أقرَبُ إليه، فيُغيِّرُ مَن شاء مِن حالٍ إلى حالٍ؛ مِن صلاحٍ إلى فسادٍ، ومِن فسادٍ إلى صلاحٍ، ويُثَبِّتُ مَن شاء مِن عِبادِه.