للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادسُ: أنَّ اللهَ ذكَرَ وَصْفَ الاتِّباعِ بعدَ النِّزاعِ بقولِه: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾؛ وهذا لا يُوصَفُ به إلَّا مؤمِنٌ؛ فلا يُوصفُ المُشرِكُ الظالِمُ لنفسِهِ في حقِّ ربِّه بالخيريَّةِ وحُسْنِ التأويلِ في عدلِهِ مع الخلقِ وهو ظالمٌ في حقِّ اللهِ.

توجُّه الخطاب في الآية للحاكم والمحكوم:

والأمرُ الأول في الآيةِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ عامٍّ لكلِّ المؤمنينَ، والأمرُ الذي بعدَه: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ للمحكُومِينَ مِن دونِ الحاكمِينَ، والأمرُ الذي يَلِيهِ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ للحاكِمينَ والمحكومِينَ جميعًا: أنَّ اللهَ يَقضي بينَهم جميعًا، وفيه نزولُ الحاكم والمحكومِ إلى حُكمِ اللهِ وأمرِه، وأن لا حصانةَ للحاكِمِ في حُكمِ الله، ولا يستضعَفُ محكومٌ مع حاكمٍ؛ فهم في حُكمِ اللهِ سواء.

وفي قوله تعالى: ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ دليلٌ على صلاحِ حُكمِ اللهِ للعِبادِ في العاجلاتِ والمآلات، وربما يستعجلُ العبادُ غيرَه، فيرونَ قليلَ خيرِ العاجِل، ولا يرَونَ عظيمَ خيرِ الآجِل، أو يرَونَ قليلَ شرِّ العاجِل، ولا يرون عظيمَ شرِّ الآجِلِ؛ فتنقلبُ أحكامُهُ على خلافِ مُرادِ اللهِ وحُكمِه.

وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أن أعظَمَ أسبابِ النِّزاعِ والخصوماتِ هو بسب التأويلِ الفاسِدِ الذي تَتخذُهُ النفسُ تسويغًا لخروجِها عن مُرَادِ الله والاستئثارِ في الحقوق.

أحوالُ طاعةِ المأمورِ للأمرِ:

وإذا تقرَّرَ أنَّ الخِطَابَ للمؤمِنِينَ، وأن الأمَّةَ مجتمِعةٌ على أنَّ السلطانَ الكافِرَ لا يُخاطب بهذه الآيةِ؛ لأنَّ البَيعةَ لا تصح له، وشرطُ البيعةِ الطاعةُ، فهل نقولُ بعدمِ جوازِ طاعةِ الحاكِم الكافرِ اختيارًا بإطلاقٍ أو لا؟ أم في المسألةِ تفصيلٌ؟ نقولُ: إن طاعةَ المَأمورِ للآمِرِ لها حالاتٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>