للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو شهيدٌ بكلِّ حالٍ، والدفعُ عن العِرْضِ متعيِّنٌ بكلِّ حالٍ، يَختلِفُ عن الدفعِ عن المالِ؛ لاختِلاف المَنزلتينِ.

فضلُ المنتصِرِ المقتولِ، وأثر الغنيمةِ على النِّيَّةِ:

وفي معنى هذه الآيةِ: ما رواهُ مسلمٌ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : "تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِه، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادًا فِي سبيلِي، وإيمَانًا بِي، وَتصدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أن أدخِلَهُ الجنةَ، أو أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنهِ الذي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا ما نَالَ من أجْرٍ أوْ غنيمةٍ) (١).

والمقتولُ المُنتصِرُ أعظَمُ عندَ اللهِ مِن المنتصِرِ الغانِمِ السالمِ، وتَحتمِل الآيةُ فضلَ المقتولِ الصادقِ ولو لم يَنتصِرْ على المنتصِرِ الغانِمِ السالم، وكلٌّ له أجرٌ عظيمٌ؛ ولذا قدَّمَ اللهُ القتلَ في الآيةِ على الغَلَبَة، فإن الغانمَ المنتصِرَ يَنقُصُ أجرُهُ عن غيرِ الغانمِ؛ كما ثَبتَ في "صحيحِ مسلمٍ"؛ مِن حديث عبدِ اللهِ بن عمرو؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (مَا مِنْ غازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبيلِ الله، فَيُصِيبُونَ الغَنِيمَةَ، إِلا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَة، وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَم يُصِيبُوا غنِيمَةً، تَمَّ لَهُمْ أجرُهُم) (٢)، وهذا غالبٌ لا مُطَّرِدٌ؛ بمقدارِ تعلُّقِ القلبِ بالغنيمة، وهذا في النَّاسِ كثيرٌ، وربَّما لا يكادُ يَسلَمُ منه إلَّا القليلُ؛ فالغنائم مالٌ وسَبْيُ نساءٍ وثمرٌ ولباسٌ، وهذا لا بدَّ أن يَعلَق مِن القلب منه عالِقةٌ ولو قليلًا، وبمقدارِ ما عَلِقَ يَنقُصُ مِن أجرِ الآخِرة، ولكن لا يأثَمُ به صاحبهُ ما دام قاصدًا إعلاءَ كلمةِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ ما أحَلَّ الغنيمةَ وهم يأثمونَ بها؛ ولذا قال في الحديثِ السابقِ: (أَوْ أرجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِن


(١) أخرجه مسلم (١٨٧٦) (٣/ ١٤٩٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٠٦) (٣/ ١٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>