للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكم الصيدِ الذي يأكل منه الجارحُ:

وبتحريمِ ما أكَل منه الكلبُ والطيرُ حاء النص في ظاهرِ الآية، وصح به الحديثُ! وهو قول جمهورِ العلماءِ؛ كأبي حنيفةَ والشافعي وأحمدَ والثوري، خلافًا لمالك، وبه أفتَى أكثَرُ السلفِ؛ كابنِ عباس وابنِ عمرَ وطاوس ومجاهِدٍ والشَّعبي وعِكرِمةَ وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ وعطاء.

وعمدة مَن قال بالحِل: ما جاء عندَ أبي داودَ؛ مِن حديث أبي ثعلبةَ الخُشني؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (إِذَا أرْسَلتَ كَلْبَكَ وَذَكَرتَ اسم الله، فَكل وإنْ أكَلَ مِنْهُ) (١)، وروى النَّسَائيُّ معناهُ؛ مِن حديث عمرِو بنِ شُعَيب، عن أبيه، عن جده (٢)، وبهذه الأحاديثِ قال بعضُ السلفِ؛ كأبي هريرةَ وابنِ عمرَ في قولِه الآخَرِ وابنِ المُسيَّبِ.

وهناك قول ثالث فرقَ بينَ أكلِ الطيرِ وبين أكلِ الكلب، فأجازَ ما أكَلَ منه الطير المُعلَّمُ، وحرَّمَ ما أكَلَ منه الكلب؛ وهو قول آخَرُ لعطاءٍ والشعبيِّ والنخَعي؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ وأحمدَ والمُزَنِي صاحِبِ الشافعي، وعلَّلَ بعضُهم ذلك: بأن الطيرَ يَشُقُّ تعليمُهُ ولا يَقبَل الضربَ كالكلبِ؛ فخُففَ فيه ويُسِّرَ.

وحديثُ عدي أصَح وأحوَطُ وأقرَبُ لظاهرِ القرآن، ويمكِنُ أنْ يُجمَعَ بين الحديثينِ بأن أَكلَ الكلبِ في حديثِ عديِّ عندَ الصيد، وبه يتضح قصدُ الكلب المعلم، وأما في حديث أبي ثعلبة، فيُحمَلُ على أكلِ الكلبِ بعدَ الصيدِ لا عندَه؛ وذلك أن الكلبَ إن صادَ وطالَ لحاقُ صاحبِهِ به قد يَشتهي الصيدَ لنفسهِ بعدَ صيدِهِ فيأكُلُ منه، وأكلُهُ منه عندَ صيدِهِ يَظهَرُ معه القصدُ، وأمَّا أكلُهُ منه بعدَ صيده بزمن فينفَكُّ عنه القصد لطولِ


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه النسائي (٤٢٩٦) (٧/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>