للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمُسلِمِينَ ورجَعُوا إليهم، ولكنَّهم استثقَلُوا القتالَ مع المُسلِمِينَ؛ لأنَّهم سيُقاتِلونَ قَوْمَهم وقراباتِهم، واستثقَلُوا القتالَ مع المشرِكِينَ، لأنَّهم سيُقاتِلونَ المُسلِمِينَ، ورغِبُوا في تركِ القتالِ والحياد، فهؤلاء يُترَكُونَ، وهم الذين قال اللهُ فيهم: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾.

وهذه الآيةُ نزلَتْ في هلالِ بنِ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيّ، وسُرَاقَةَ بنِ مالكٍ المُدْلِجِيِّ، وخزيمةَ بنِ عامرِ بنِ عبدِ منافٍ؛ قالهُ عِكرمةُ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ رواهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ (١).

وقال جماعةٌ مِن السلفِ بنسخِ هذه الآية، كما جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: نَسَخَتْها براءةُ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]؛ رواهُ عن عطاءٍ عنه غيرُ واحدٍ؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (٢).

وقال بالنسخِ جماعةٌ كقتادةَ وعِكْرِمةَ والحسنِ وابنِ زيدٍ، وأنَّها نُسِخَتْ بآياتِ القتالِ في براءةَ.

وقولُهُ تعالى: ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾؛ يعني: كَرِهَتْ قتالَ قومِهم وضاقتْ به.

رحمةُ اللهِ بعدمِ اجتماعِ الكفَّار على المسلمين:

وفي قولِه تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ إشارةٌ إلى نعمةِ اللهِ وفضلِهِ على المُسلِمِينَ في عدمِ اجتماعِ الكفارِ على المُسلِمِينَ، وإنَّما كَفَى الأمَّةَ شرَّهم بتفرُّقِ أهوائِهم؛ فطائفةٌ تُقاتِلُ، وطائفةٌ تُسالِمُ، وطائفةٌ تُسلِّمُ


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٩٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٢٧).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ١٠٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>