للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة أهلِ الكِتَابِ" (١)، فلا يصح بهذا اللفظ، ولو صحَّ، فظاهرُهُ أنه في الجِزيَةِ؛ لأن النبي أخَذَ الجزيةَ مِن مجوسِ هَجَرَ؛ كما في البخاري؛ مِن حديثِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ (٢).

وقولُه تعالى: ﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾، والكفار لا يُخاطَبونَ بالحلالِ والحرامِ -لأنها فروع- ما لم يتَّبِعُوا الأصولَ ويَنقادوا لها؛ وإنما الخِطَابُ هنا لأهلِ الإيمانِ: أنهم يَحِلُّ لهم إطعام أهلِ الكتابِ والإحسانُ إليهم، وإنما قدَّمَ حِل طعامِ أهلِ الكتابِ على حِل طعامِ أهلِ الإيمانِ؛ لأنَّ المؤمنِينَ أولى بالانتفاعِ من غيرِهم.

نكاحُ الكتابيَّاتِ:

وقولُه تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قدَّمَ المؤمناتِ؛ لتفضيلِهِنَّ على غيرِهن، ونكاحُ المؤمِنةِ المُحصَنَةِ أفضَلُ مِن غيرِها؛ لأنَّ مَيْزةَ الدينِ أعظَمُ مِن غيرِه؛ ولذا في الحديثِ قال : (إذَا جَاءكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وَخُلقَه، فَأنكِحُوهُ) (٣).

وللإحصانِ معانٍ متعدِّدةٌ، تقدمت في أولِ سورة النساءِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، ومِن مَعانيهِ الحريةُ، وألحِقَ وصف الإحصانِ بالحرائرِ؛ لِغَلبَةِ العَفَاف عليهن بخلاف الجَوَارِي، ومِن هذا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥]، وقد فسرَ ابن عباسِ ومجاهِدٌ


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٤٢) (١/ ٢٧٨)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (١٠٠٢٥) (٦/ ٦٨)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٠٧٦٥) (٢/ ٤٣٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١٨٩).
(٢) أخرجه البخاري (٣١٥٧) (٤/ ٩٦).
(٣) أخرجه الترمذي (١٠٨٥) (٣/ ٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>