للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُحايدُ في القتال، وفيه: أنَّ مِن الحِكْمةِ والسياسةِ عدمَ اسْتِعْدَاءِ أُمَمِ الكُفْرِ، الذين لو اجتمَعُوا، لَمَا كان للمُسلِمِينَ قدرةٌ عليهم، فاللهُ جعَلَ كَفَّهُ لبعضِهم مِنَّةً وفضلًا منه؛ حتى يتفرَّغَ المُسلِمونَ لآخَرِينَ فيَأخُذُوا كلَّ فئةٍ وأمَّةٍ كفريَّةٍ وحدَها، ولا تنتصِرُ لها أختُها.

المسلمُ بين المحارِبِينَ:

ومَن كان مع الكافِرِينَ المُحارِبِينَ، وأُمِرَ بالخروجِ منهم فلم يَخرُجْ وهو قادرٌ، أخَذَ حُكْمَهم، وقد كاد أقوامٌ مِن أهلِ مكةَ يَأْتُونَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُسلِمُونَ ليَأْمَنُوهُ وَيأْبَوْنَ الهجرةَ فيَرجِعُونَ إلى مكةَ، وهم المقصودونَ بعدَ ذلك بقولِه: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}، وقد صحَّ عن مُجاهدٍ؛ قال: "هم ناسٌ مِن أهلِ مكةَ يَأْتُونَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فيُسلِمونَ رِياءً، ثمَّ يَرجِعُونَ إلى قريشٍ، فيَرْتَكِسُونَ فِي الأوثانِ؛ يَبتَغونَ بذَلِكَ أنْ يأمَنُوا هاهنا وهاهنا، فأَمَرَ بقتالِهم" (١).

وقد تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامُ على مُسالَمةِ المُشرِكينَ ومُصالحتِهِمْ عندَ قولِهِ: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}، وبيَّنَّا أنَّ المرادَ بالسِّلْمِ: الإسلامُ، وحمَلَهُ بعضُ المتأخِّرينَ على المُسالَمةِ والمصالَحة، وبيَّنَّا هذا القولَ وفصَّلْنا في حُكمِ المُهادَنةِ والمُوادَعةِ تَبَعًا.

* * *


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٠١)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٨٢٧)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>