للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيها وأخلاقَهُ، فقال لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا، لتَرَحَّمْنَا عَلَيْه، خَلُّوا عَنْهَا؛ فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، وَالله يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ) (١).

وذلك أنَّ مِن الكفارِ والمسلِمِينَ مَن يفعلُ الإحسانَ بلا إخلاصٍ؛ وإنَّما لِما جُبِلَ عليه الإنسانُ مِن حبِّ الخيرِ ودفعِ الشرِّ مِن إغاثةِ الملهوفِ وإكرامِ الضيفِ؛ فهذا لا يُقبَلُ ممَّن لم يَحتَسِبْهُ ولو كان مسلِمًا؛ فكيف بكافرٍ أراد بعملِه الجاهَ والسُّمْعةَ والذِّكْرَ؟ !

فلا ينتفِعُ الكافرُ بعملِهِ الصالحِ في الدُّنيا، لانتفاءِ القصدِ في العمل، وانتفاءِ الإسلامِ مِن العاملِ؛ ولذا قال تعالى قَبلَ هذه الآيةِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: ١١٦]، فذكَرَ استحقاقَهُمُ النارَ لكفرِهم، بعدَما ذكَرَ عدمَ انتفاعِهم بعملِهم في الدُّنيا.

ما يُكْتَبُ للكافِرِ من عملِهِ الصالِحِ بعد إسلامه:

وإذا أسلَمَ الكافرُ وقد سبَقَ منه عملُ خيرٍ حالَ كُفْرِه، فالأعمالُ التي عمِلَها حالَ الكفرِ على نوعَيْنِ:

النوعُ الأولُ: أعمالٌ أخلَصَ فيها للهِ ولو كان في نفسِهِ كافرًا؛ فإنَّ المشرِكينَ لهم أعمالٌ ودعواتٌ يُخلِصُونَ بها للهِ ولو كانوا باقِينَ على الشركِ؛ فالله لا يَقْبَلُها لكفرِهم وإنْ أخلَصُوا فيها؛ لأنَّ الكفرَ يمنَعُ رفعَ العملِ وقَبُولَهُ؛ فهذا النوع مِن العملِ يُحسَبُ لصاحِبِهِ ويُقبَلُ منه بعدَ إسلامِه؛ لِما جاءَ في "الصحيحينِ"، عن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ؛ أنَّه قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بها فِي الجَاهِلِيَّة، هَلْ لِي فِيهَا مِن شَيْءٍ؟ فقال له رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ) (٢).


(١) "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ٣٤١).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٣٦) (٢/ ١١٤)، ومسلم (١٢٣) (١/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>