للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوبِ إلى الاستحبابِ والتأكيدِ غيرِ المُلْزِمِ، وهذا ما يميلُ إليه الشافعيُّ؛ قال : "معنى الحديثِ: ما الحزمُ والاحتياطُ للمُسْلمِ إلا أنْ تكونَ وصيتُهُ مكتوبةً عندَهُ، فيُستحَبُّ تعجيلُها، وأنْ يَكْتُبَها في صِحَّتِه، ويُشهِدَ عليه فيها، ويكتُبَ فيها ما يحتاجُ إليه" (١).

وأمَّا ما جاء في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ ابنِ شِهَابٍ، عن نافعٍ؛ قال: قال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ: "ما مَرَّتْ عليَّ ليلةٌ منذُ سمِعتُ رسولَ اللهِ قال ذلك، إلا وعندي وصيَّتي" (٢).

فظاهرُهُ: أنَّ الوصةَ كانتْ أولَ الأمرِ منه، فيظهرُ أنَّه أنفَقَ مالَهُ الذي أَوْصَى به بعدَ ذلك، ثمَّ لم يُوصِ بعدُ؛ لأنَّه قال في روايةِ أيوبَ، عن نافعٍ: "أمَّا مالي، فاللهُ أعلَمُ ما كنتُ أصنَعُ فيه في الحياةِ" (٣).

حكمُ الوصيَّةِ للورثةِ:

وقد اتَّفَقَ العلماءُ أنَّ الوصيَّةَ لا تكونُ لوارثٍ، ولا تكونُ في حرامٍ.

وقد منَعَ مِن ذلك النبيُّ في آخِرِ حياتِه في حَجَّةِ الوداعِ؛ لِما رواهُ أصحابُ "السننِ"، عن عمرِو بنِ خارجةَ، وما رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ، عن أبي أمامةَ؛ كلاهُما يقولُ: سمعتُ النبيَّ قال: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) (٤).

الخلافُ في وجوب الوصيَّةِ:

وقد اختلَفَ العلماءُ في الأصلِ في الوصيَّةِ: هل هو على الوجوبِ، أو على الاستحبابِ؟ على قولَيْنِ:


(١) ينظر: "المجموع" للنووي (١٥/ ٤٠٨)، و"شرح النووي على مسلم" (١١/ ٧٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٢٧) (٣/ ١٢٥٠).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه أبو داود (٢٨٧٠) (٣/ ١١١٤)، والترمذي (٢١٢٠) (٤/ ٤٣٣)، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>