للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله عطاءٌ - حكى الاتفاقَ جماعةٌ مِن العلماءِ؛ وقد كانت العلةُ التي منَعَ اللهُ لأجلِها القتالَ في الأشهُرِ الحُرُمِ هي أنَّ مَكَّةَ كانت بلادَ شِرْكٍ قبلَ الفتحِ، فإبقاءُ حُكْمِ التحريم كان لحِفْظِ طريقِ الحاجِّ والمعتمِرِ إلى البيتِ الحرامِ مِن القُطَّاعِ، ولمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ، ولم تكُنْ بعد ذلك بَلَدًا للكفرِ، وحرَّمَ اللهُ على المشركين دخولَها: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]، بل أمَرَ اللهُ بإخراجِهِمْ مِن جزيرةِ العربِ؛ كما في الحديثِ في "الصحيحَيْنِ": (أخرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ) (١) - كان الحُجَّاجُ في مَأْمَنٍ.

وأمَّا المشرِكونَ، فهم بحاجةٍ إلى تتبُّعٍ وقصدٍ وملاحَقةٍ؛ لدفعِ شرِّهم، ولتقويةِ شوكةِ المسلِمِينَ؛ لذا نسَخَ اللهُ تحريمَ القتالِ في الأشهُرِ الحُرُمِ بِزوالِ سببِهِ، بل لتمامِ الحاجةِ إلى القتالِ فيها، وهي حفظُ بلادِ المسلِمِينَ وطريقِ الحاجِّ مِن تربُّصِهم، وكلَّما اتَّسَعَتْ دائرةُ بلادِ الإسلامِ، كانتِ الحاجةُ ماسَّةً لحمايةِ الأطرافِ، ومع اتِّساعِها تتَّسِعُ الحاجةُ للقتالِ، فكان واجبُ القتالِ الاتِّساعَ وعدَمَ الضِّيقِ.

مراحلُ القتالِ في الأشهر الحُرمِ:

ولِذا فإنَّ الجهادَ في الأشهُرِ الحرُمِ مَرَّ بمَراحِلَ:

أوَّلُها التحريمُ المطلَقُ؛ كما سبَقَ.

ثمَّ خصَّصَهُ اللهُ بقولِه: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١]، إلى قولِه: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}.

ثمَّ نسَخَهُ اللهُ بقولِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ١ - ٢]، إلى قولِه:


(١) أخرجه البخاري (٣٠٥٣) (٤/ ٦٩)، ومسلم (١٦٣٧) (٣/ ١٢٥٧)؛ من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>