للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسببُ نزولِ هذه الآيةِ: أنَّ الناسَ أذاعُوا أنَّ النبيَّ طلَّقَ نساءَهُ، ولم يكنْ كذلك، ولم يَسْتَبِينُوا ولم يَترَيَّثُوا ولم يُحِيلُوا الخبرَ والعِلمَ إلى مَن يَعلَمُ؛ فكثُرَ اللَّغَطُ والقيلُ والقالُ؛ ففي "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ عمرَ؛ قال: كَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: (لَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي دَخَلْتُ المَسْجِدَ وَالمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ نِسَاءَهُ! أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ)، فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِه، وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللهِ وَنَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْع، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِه، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ؟ قَالَ: (إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَنَادَيْتَ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ نِسَاءَهُ! وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَأَنْزَلَ اللهُ ﷿ آيَةَ التَّخْيِيرِ (١).

أوصافُ العالِمِ الذي يقضي في النوازل:

والمرادُ بأُولي الأمرِ: هم أهلُ العِلْمِ به؛ فاللهُ أمَرَ بإحالةِ الأمرِ إلى العلماءِ مِن الناسِ؛ لِيَعْلَمَهُ مَن يَقدِرُ على استباطِ الحُكْمِ منهم، فما كلُّ عالمٍ قادرًا على استنباطِ الحُكْمِ مِن كلِّ دليلٍ لكلِّ نازلةٍ؛ ولذا قال تعالى: ﴿أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾؛ يعني: مِن المؤمِنِينَ، ثمَّ قال: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾؛ يعني: مِن العلماءِ؛ فالعلماءُ يتفاوَتونَ في الاستنباطِ بحسَبِ


(١) أخرجه مسلم (١٤٧٩) (٢/ ١١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>