للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُدودَهُ وضوابِطَه، وبيَّنَ أحَقَّ الناسِ بالصدقة، وأفضَلَها وأعظَمَها نفعًا وأجرًا.

حَبْسُ الصَّدَقةِ عن مُسْتَحِقِّبها، وأخذُ غيرِ أَهْلِها لها:

وقد جاء في الشريعةِ تحريمُ حَبسِ الصَّدَقةِ عن أهلِها، ووجوبُ صَرْفِها ما وُجِدَ مُستحِقُّوها، فإنَّ الأصلَ أنَّ الفقرَ والفاقةَ قد تُوجَدُ وتَطرَأُ، ولكن لا تَبقى في الناسِ إلَّا بسبَبِ مالٍ محبوسٍ عن أهلِه؛ منَعَهُ غنيٌّ، أو حبَسَه سُلْطانٌ، وقد حَثَّ النبيُّ على قِسْمةِ الصَّدقةِ والتعجيلِ يها إلى أهلِها؛ ففي البخاريِّ؛ مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ الحارثِ ؛ قال: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ العَصْرَ، فَأَسْرَعَ، ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ أَو قِيل لَهُ، فَقَالَ: (كُنْتُ خَلَّفْتُ في البَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَة، فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ) (١).

والزكاةُ إنْ حُبِسَتْ عن أهلِها في مالٍ، أهلَكَتْهُ؛ لأنَّ للزكاةِ بَرَكةً على مالِ مُنفِقِها، وشُؤْمًا على مالِ حابِسِها؛ فعن عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (لَا تُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مَالًا إِلَّا أَهْلَكَتْهُ)؛ رواهُ البيهقيُّ وغيرُهُ؛ مِن حديثِ هِشامٍ، عن أبيه، عنها (٢)، قال الشافعيُّ: يَعني - واللهُ أعلَمُ - أنَّ خيانةَ الصَّدَقةِ قد تُتلِفُ المالَ المخلوطَ بالخيانةِ مِن الصدقةِ (٣).

وقد حرَّم اللهُ تعرُّضَ غيرِ أهلِ الزكاةِ لها بطَلَبِها والانتفاعِ بها؛ كما حرَّم سُؤالَها مِن دونِ أهلِها؛ فإنَّ الزكاةَ قد تُؤخَذُ مِن مَواردِها ويُخرِجُها الغنيُّ أو السُّلْطانُ أو نائبُهُ طالِبًا أهلَها، فيَعتَرِضُها مَن يَطْلُبُها مِن غيرِ أهلِها، فيَنحرِفُ طريقُها ومَسارُها إلى غيرِ مقصودِها، فكما حرَّم اللهُ على


(١) أخرجه البخاري (١٤٣٠).
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٥٩).
(٣) "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٣/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>