للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الجمعة]

سورةُ الجُمُعَةِ مدَنيَّةٌ، ولا خلافَ في ذلك (١)، وقد بيَّن اللَّهُ فيها فَضْلَهُ على الناسِ عَرَبِهم وعَجَمِهم ببعثِ نبيِّه، وحذَّر مِن تدليسِ اليهودِ وطريقتهم في تحريفِ كُتُبِهِ ودِينِه، ثم بيَّن شريعةَ صلاةِ الجُمُعَةِ وفَضْلَها وفضلَ شهودِها، وبعضَ أحكامِها.

* قال اللَّه تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: ٦ - ٧].

كانتِ اليهود تَصْطَفِي نفَسها بينَ الناس، وتَرَى أنَّها صفوةُ خَلْقِ اللَّهِ وأَحِبَّاؤُهُ كذبًا وزورًا عليه؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨].

ولمَّا كان وليُّ اللَّهِ وحبيبُهُ يتمنَّى لقاءَ محبوبِه، أمَرَهُمُ اللَّهُ بتمنِّي الموتِ للقاءِ اللَّهِ إنْ كانوا صادقِين، ودُعُوا إلى المُباهَلةِ أنَّ الموت على الكاذب، ولكنَّهم يَكذِبونَ وهم أحرَصُ الناسِ على حياةٍ، وأشَدُّهم فرارًا مِن الموت، لأنَّهمِ يَعْلَمونَ جُرمَهُمْ وظُلْمَهُمْ وعنادَهم وتكبُّرَهم، فلن يتمنَّوا الموتَ؛ لأنَّهم يَعْلَمونَ ما يَلقَوْنَ بعدَه؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ


(١) "تفسير القرطبي" (٢٠/ ٤٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>